بقلم : مرعي حميد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
هي الآية الأولى من فاتحة الكتاب المجيد (السبع المثاني ) ومن المهم قراءتها مع استحضار معانيها في القلب عند الشروع في أي قراءة لكتاب الله سوى كانت من أوّل السورة ، أي سورة ، أو وسطها . ان الإنسان المؤمن يقبل على كتاب الله الذي يحتوي من الكنوز الإيمانية ما الله به عليم ، وهو بضعفه أمام هذا البحر الزخار يريد ان يغترف من كنوزه والله هو القوي الوهاب فيتجه إليه باسمه ( الله )الذي يتضمن معاني كل الأسماء الحسنى مستحضراً في قلبه ذلك التضمن أو مستحضراً لبعض الأسماء الحسنى بحسب حاله ، حامداً له على نعمه السابغة ،السابقة مؤمناً بربوبيته للعالمين فهو خالقهم ومالك أمرهم ، ثم يلهج المسلم بـ (( الرحمن الرحيم )) معترفاً ومقراً بان الله تعالى رحيم ورحمان بالعالمين والقارئ منهم ، وفي ذات الوقت فانه يتجه إلى الله الرحمن الرحيم يستمد منه رحمته ورحمانيته فإذا رحمه الله في هذا المقام وهو بضعفه منحه القدرة والطاقة للانتهال من هذا المنهل الرباني الفذ الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد كما ورد في الحديث ، وإذا كانت تلاوة كتاب الله مطلوبة في حد ذاتها ابتغاء الأجر والمثوبة لمجرد التلاوة فان كتاب الله هو لمهمة أرفع وأسمى من مجرد التلاوة وهي ازدياد الإيمان فان قراءة القران تزيد من الإيمان وتفيض على القلب بمعاني يقينية وكلما زاد اليقين والإيمان في النفس كلما زاد العمل الصالح والاستمساك بمنهج الله في السيرة والسلوك اليومي للإنسان وكتاب الله هو ( جامعة اليقين ) : اليقين بكل شي : الخالق وصفاته وأفعاله ، المخلوق وسلوكه في الحياة ، الدنيا ، الأنبياء ، ، المصير ، الموت ، البعث ، الجزاء ، الجنة ، النار . ولما علم الشيطان بنفاسة القران الكريم بذل ويبذل جهده لكي يصرف المؤمن عن كتاب ربه بالكلية ان استطاع أو صرفه عن تلاوته وتدبره وحفظه وبالتالي تضييع الفوائد التي سيجتنيها ان هو اقبل على كتاب الله يقرأه ويتدبره . وحتى لا يتمكن الشيطان من ذلك شرعت لنا الاستعاذة من الشيطان الرجيم قبل ان نشرع في القراءة ، وينبغي ، ككل دعاء ، ان تكون قلوبنا حاضرة وعقولنا مدركة لما تنطق ألسنتنا .
وإنّ البسملة مهم البدء بها عند مباشرة الأعمال كافة ومنها العمل السياسي فلا اجتماع كبير أو صغير للقيادات أو للقواعد يبتدئ حق الابتداء ، الابتداء المبارك ، إلا بها، إنها تُذكّر بالله المُكلف الإنسان بطاعته وعبادته وعدم مخالفة أمره في كل شؤونه ، والانتقائية لا تصح في التعامل مع علام الغيوب الذي انزل المنهج الحق المبارك الذي فيه بيان خير الإنسان إن أراد الخير وسعى إليه وفيه بيان الشر الذي قد يصيب الإنسان ان لم يتوقاه ، ومنه نستمد الرحمة فيوفقنا إلى ما ينفعنا ويصلح أمرنا.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
الآيات من (( الحمد لله)) إلى ((مالك يوم الدين )) هي خطاب من الله بحقيقة من كبرى حقائق هذا الكون الذي خلقه الله بقوله كن ، مفادها أن الحمد لله المتصف بتلك الصفات الأربع التي يستحق بها الحمد والثناء.
والفاتحة قسمان : الأول ثناء على الله واعتراف وهو تعليم من الله لنا كيف نفعل ذلك وبأرقى صورة وأيسرها ، والثاني هو خطاب من المؤمن إلى مولاه الذي يقف في حضرته في الصلاة وحين يردد تلك الآيات عموماً، والقران هو كلام الله للبشر وإنّ من أعظم درجات الكمال عند تلاوته ان نكون حاضرين للمشهد الخطابي على تنوعه في كتاب الله (( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )) وإنّ من مفاتيح الاستفادة من تلاوة كتاب الله المجيد استحضار عظمة المتكلم و تفريغ القلب من الشواغل و الصوارف عن الإنصات التام لكلام الله ، وتفريغ القلب من الأحقاد والإصرار على الإثم كبيراً كان أم صغيراً ، بالإضافة إلى الوضوء والتمهل في القراءة .
إذن الحمد لله رب العالمين ثناء على الله واعتراف بنعمه كلها ومن ذلك في بعض الأحيان استحضار نعمة بعينها في نفس القارئ يفيض بها وجدانه ، نحو نعمة الهداية أو الاستقامة أو الإقبال على الله ، والحمد تعني استغراق المحامد كلها لله أي أنّ كل الحمد لله ، والحمد مطلوب في السراء والضراء كما يدل على ذلك مثلاً حديث الله تعالى للملائكة : قبضتم فلذة كبد عبدي قالوا نعم ، فيقول الله وهو اعلم :فماذا قال عبدي ، فيقولون حمدك واسترجع فيأمرهم الله ان يبنوا له بيتاً في الجنة وأن يسموه بيت الحمد ، والحمد هو طريقة في الثناء على الله يتضمن معنى الشكر وزيادة ، والشكر لا يكون إلا في السراء وما تتمناه النفس السوية (( ولئن شكرتم لأزيدنكم )) والحمد بهذا المعنى هو استمطار للمزيد من نعم الله وللبركة في المتحصل عليه منها . والحمد أيضاً هو التبري من أوهام الحول والقوة الفكرية والعقلية والمادية والمعنوية مما هو متحصل من المرغوبات فلولا نعمة الله بالخلق في أحسن تقويم والرزق والصحة وغيرها لما وسع الإنسان ان يتحصل على مرغوب ولا ان يستمتع به وهذا الأمر يستوي فيه الإنسان غير المزاول للسياسة وغير المهتم بشأنها والإنسان المنهمك في الشأن السياسي تصريفاً واهتماماً يسوق إلى العمل والمواقف العملية الميدانية .
وحين يستحضر المسلم ((رب العالمين )) يدرك بعداً آخراً لعظمة الله الخالق الرازق واتساع ملكوته ، لا بل هو مالك الملك والعالم بكل ما كبر وكل ما دق من ملكوته من أحياء وجمادات هنا وهناك وهنالك و في أنحاء المعمورة وكل أرجاء الكون الذي لا نعرف عنه إلا القليل ، وأنت واحد من هؤلاء العالمين .
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
خلق الله الخلق وهو بهم راحم ، لم يخلقهم ليتجبّر عليهم فهو ليس في حاجة إلى ان يُظهر لأحد اكبر شانا منه أو مساوي له انه قادر على البطش ، كلا ، بل حتى الكافرين به الجاحدين بنعمه من خلق لهم في أحسن تقويم ورزق و مالم تكون به حياتهم إلا به ، فهو بهم راحم حين يبين لهم سبل الهداية ويرسل لهم نذر العناية من مرض موجع أو مصيبة مؤلمة أو معجزة مبينة وذلك حتى يعودوا إلى الله ، الله غني عن العالمين فلا تنفعه طاعة الطائعين وان كان يضاعف أجرها ولا تضره معصية العاصين وان كان يفرح بتوبتهم وهذا الفرح لأنهم بتوبتهم يبعدون أنفسهم عن أسباب الشقاء ، والله من فوق ذلك هو ارحم بالمؤمنين الطائعين وطاعتهم لهم لا لغيرهم فصلاتهم هم المحتاجين إليها يناجون فيها جبار السماوات والأرض كل يوم خمس مرات على الأقل وحين يتصل المرء بقوة عظمى فانه يقتبس لنفسه من سنا عظمتها ، والصدقة هي لك وديعة عند الله ينميها لك حتى تلقاه ومن نعمة الله على العباد ان شرع لهم الطاعات ورتب لكل منها أجرها في الآخرة والأولى لمن أداها ، والأداء يكون درجات من حيث الإتقان وكلما زاد منه زيد له في أجره وثوابه . والعكس صحيح فالسيئات لا مضاعفة لها بل إنها قابلة للتبديل إلى حسنات بمجرد توبة صاحبها توبة نصوحاً ، فمن رحمته ان لا يكتفي بمحو السيئات ومغفرتها لمن تاب ولكن مع ذلك التبديل إلى حسنات .
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
يوم الدين هو يوم البعث والحساب والله تعالى خالق الزمان والمكان ومالك كل الأيام ، وخصص هذا اليوم بالذكر لعلو شانه بينها عند الله حيث يحاسبهم على مثاقيل الذر من خير وشر , وعند البشر حيث ان المسلمين منهم يعملون استعدادا لذلك اليوم الذي سماه الله أيضا يوم التغابن حيث يعرضون وتعرض أعمالهم على الله الذي أحصى كل شي (( ونُسأل يوم القيامة عن كل شي ))
و المسلم المناطة به أي مسؤولية في الدنيا يتذكر ان الله سيحاسبه يوم الدين عن أداءه لها وهل حفظ أم ضيع ، هل أداها كما ينبغي أم حابى فيها وجامل وتجاهل وعوق من لا يعرف أو من يخاصم .
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
هذا المقطع خطاب من المسلم لمولاه مضمونه الدعاء ويعيشه بان يستحضر في قلبه علم الله المحيط المطلق الذي يعلم قوله وهل هو حاضر عنده أم غائب وهل هو صادق في عبادته لله أم غير ذلك ومهم هنا استحضار معنى العبادة وهي تتضمن الامتثال لأوامر الله فعلاً وتركاً والالتزام بسنة رسول الله فعلاً وتركاً ، وبالقدر الذي تشير فيه إلى الحاضر فانك تشير إلى المستقبل .
والسياسي المسلم اعتماده الأول في نجاحه وان أراد النجاح هو في الاستعانة بالله ، فلا يستند إلى قدراته ومواهبه وإمكانياته المادية والبشرية بل يستعين بالله ذي الطول ، وكل ذلك يأتي من بعد الاستعانة بالعلي الكبير.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
المسلم أياً كان ترتيبه في سُلّم التنظيم الاجتماعي ، له صلة بالسياسة وإدارة الآخرين أم لا صلة له بذلك ، في حاجة إلى هداية الله في كل وقته في كل لحظة وفي الدعاء (( يا حي يا قيوم برحمتك استغيث ، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )) ،
ومهم ان يستحضر المسلم وهو يدعو الله بهذا الدعاء الذي اختاره الله وجعله في فاتحة كتابه على قصرها كلمات ، من المهم ان يستحضر الاستعانة بالله بنوعيها وان يستحضر انه يسال الله كلا النوعين : هداية الدلالة وهداية الإعانة ، وهداية الدلالة هي الهداية التي يدرك صاحبها الأمور حق أم باطل خير أم شر ويدرك بها خير الخيرين وشر الشرين وهي المقصودة في قوله تعالى (( انك لتهدي إلى صراط مستقيم ))، أما هداية الإعانة هي ان يصير صاحبها سالكاً سبيل الخير وخير الخيرين مجتنباً سبيل الشر وشر الشرين وهي المقصودة في قوله تعالى (( انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )) فالله نفى عن رسوله هداية التوفيق والإعانة وأثبتها الحق لنفسه جل جلالة ، ولكن هداية التوفيق من الله لها أسبابها التي يبدأها العبد فيحصل على نعمة التوفيق ، ولا تأتي الهداية بمجرد انتظارها ولكن بالسعي إليها وبذل أسبابها وكلما عظمت الهداية التي يريدها السالك طريق الله كلما زاد مهرها
أترجو النجاة ولا تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبسي
ولله في هدايته للبشر سنن لا تتخلف
والصراط المستقيم هو طريق الأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها فعلاً أو تركاً ، اختياراً لفعل ما يرضاه وترك سوى ذلك ، وبحسب مقتضيات الحال تقديماً وتأخيراً ، فاضلاً و مفضولاً.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
وهو صراط الذين انعم الله عليهم وهذا تخصيص لنعمة الهداية وإفراداً لها فنعم الله واصلة إلى كل الخلق برهم و فاجرهم ولكن أعظمهن شاناً و أرجاهن عاقبة نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم فهي تضمن لصاحبها دنيا سعيدة هنية ومرد غير مخز لا بل هو المرد الذي تشتاق إليه النفس وتهواه الروح (( اللهم إني أسالك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة )) وكلما ازداد المسلم من ذلك العمل كلما كانت عاقبته اسعد وأمتع . وغير المغضوب عليهم هم اليهود الذين لم يعملوا بكتاب ربهم(التوراة ) وهو بين يديهم ظلماً وتنكباً عنه إلى الدنيا وشهواتها في المال والزواج و الولد والمكانة في قلوب الخلق ، أما الضالين فهم النصارى الذين ضيعوا كتاب ربهم ( الإنجيل ) فحرفوه و بدلوه وفق ما تمليه عليم أهوائهم وشهواتهم وأمزجتهم فغضب الله عليهم مثلما أضاعوا وتنكبوا طريق الحق الهادي إلى مرضاة الله ومثوبته وأجره والفوز بسعادة الدارين : الدنيا والآخرة .
. وكلمة (آمين ) تعني اللهم استجب لدعائنا الذي هو أهم دعاء ولذا كان من رحمة الله وحكمته ان يردد المسلم هذا النداء في كل ركعة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق