السبت، 17 مايو 2014

منهج الرشد كما ترسمه سورة الكهف

بقلم : مرعي حميد/ مفكر وباحث اشتهرت سور القرآن الكريم بتسمياتها :البقرة،آل عمران،النساء،الشمس،الليل،الضحى... وفي الغالب لا توجد علاقة بين اسم السورة وموضوعها ،و لكل سورة من سور القرآن الكريم موضوعها الذي تدور حوله وتتحدث عنه وتتطرق وتشير اليه في مضمونها العام ذلك مما وفقني الله لاستنباطه ،وقد تختص اكثر من سورة بذات الموضوع مع اختلاف في طريقة العرض وتنوع واختلاف بين اسهاب وايجاز . و تنبع اهمية هذا الادراك لموضوعية سور القرآن الكريم من انها تقدم لمن يقف عليها ويستوعبها قدر كبير من المعارف كما تمنح القارئ لكتاب الله وسيلة جذب وتشويق للتلاوة والانصات كما تمنحه قدره اكبر وحافز على استحضار الذهن والتركيز التام والتفاعل العجيب مع موضوع السورة وفكرتها وسبر اغوارها والخروج بفوائد جليلة تنعكس ايجاباً على حياة التالي ،كما ان هذا الادراك سيكون عامل مساعد على حفظ السورة فهو يمنح الحافظ فرصة افضل ليعيش جو السورة ويدرك المضمون العام لآياتها ،كما ان هذه المعرفة تساعد صاحبها على التعرف على اسم السورة وموضوعها من خلال استماع بعض آياتها من تاليها اماماً كان او خلافه وبالتالي قدرة اكبر على الانصات والخشوع . وتدل هذه (الموضوعية الواحدة المتسقة)على الاعجاز الموضوعي في القرآن الكريم ،فكل سورة من السور الطوال ،تحديداً،غالباً لم تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم في وقت واحد ولكن نزلت مفرقة ،وتجد معظم آيات السورة نزلت لاسباب ووقائع متعددة ،ومع هذا فان كل السورة تذهب الى موضوع واحد وتصب في معنى اجمالي عام .وكما ان الكاتب يحرص ان يكون مقاله او (موضوعه) متحدثاً عن موضوع واحد ،فان لله المثل الأعلى ،و كما تجد في آيات السورة الآية منها وربما الاثنتين معاً والثلاث تعطي فكرة واحدة فان في مقال الكاتب تجد فقرة او اكثر تدل على فكرة واحدة و تصلح لإبرازها بمفردها او جعلها من روائع القول مع انها اخذت من مقال (موضوع)واحد متكامل . سورة الكهف التي يحرص المسلمون على تلاوتها يوم الجمعة موضوعها هو الرشد ،وربما هذا هو سر اختيارها للتلاوة كل اسبوع من بين سور القرآن الكريم،والرشد هو التصرف السليم والسلوك القويم في مختلف المواقف كما انه يعني النضج النظري والعملي ،الفكري و الواقعي . والرشد نقيض الغي ((لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ)) ((وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً )) .والرشد ،كما الغي،ليس على مستوى واحد بل هو متفاوت وهو قابل للزيادة كما هو معرض للنقصان ولذا فان السوي من الناس الاولى به ان يزداد رشدا (( وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )) جاء في التحرير والتنوير للشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسير سورة الكهف ((والرَّشد بفتحتين : الخير وإصابة الحق والنفع والصلاح )) وفي تفسير سورة البقرة قال : ((والرشد بضم فسكون ، وبفتح ففتح الهُدى وسداد الرأي ، ويقابله الغيّ والسفه )) وبينهما تماثل وتقارب وتطابق ... ونتناول هذا الامر ونفصله تحت العناوين ادناه ونترك ترتيب الورود الى ترتيب الآيات في السورة نفسها لسهولة التعرف عليها: منهجية الرشد : يسعى الانسان السوي الى ان يكون من الراشدين في حياتهم بل ويسعى الى ان يرشد غيره الى سبيل الرشد ،ما هو السبيل للوصول الى منهج الرشد ،تجيب عن السؤال سورة الكهف كما يلي : 1. العلم والصدق : العلم والصدق مخالفة لصفة اهل الغي (( مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا 2. السلطان البيّن : (( لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا )) 3. الشهادة والحضور (( مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا 4. اجتناب الجدل : (( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً 5. لا مادية الاعتقاد والتفكير : (( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً 6. تجنب موانع الرشد والفقه والتخلص منها : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا 7. تقديم الدليل المادي ان وجد والحرص عليه : (( وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُم بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ لَّن يَجِدُوا مِن دُونِهِ مَوْئِلاً (58)وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا 8. الحرص على تحصيل الرشد (( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا )) ((وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً )) 9. الحرص على ادراك رحمة الله : عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا 10. العلم اللدني : عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا 11. التعلم ممن يعلم : (( قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا والآية تدل على ان المقصود الحق بالعلم هو الرشد 12. مداولة الآراء ونقدها في احترام وتوقير: ((قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)) 13. الصبر في طلب العلم : ((ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )) منهجية الغي : للغي منهجية قد يسلكها المرء بعلم او بجهل ويسحب خطاها الى حياضها حتى يغرق في بحر الغي وظلماته : 1. دفع الحق بالباطل : (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ )) 2. رفض الآيات والدلائل الواضحات : (( وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا ؟ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا)) 3. امتلاك موانع الرشد والفقه : (( إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) 4. عدم الاستجابة لصوت الهداية والتعقل: (( وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا)) 5. أي لن يأخذوا اشارات هداية الدلالة مأخذ الجد فهم معرضون ولن يستجيبوا فيعملوا بما يكون سبب في هدايتهم والا فالهداية تبقى هي هداية الله 6. القول والعمل والمحاججة من دون العلم اللازم لها ((مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ )) 7. الفساد والافساد في الارض : ((إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ )) 8. اظلال الله تعالى : (( ومن مصادر الرشد : الوحي والايمان به وبالكتاب : ((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا (1) قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا )) ((قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ )) الدعاء و اللجوء الى الله تعالى : (( فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا )) الهداية الإلاهية وزيادتها : (( مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا )) ))(( وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )) ))(( وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ )) صفات الراشدين : 1 . الايمان بالله وعبادته و عمل الصالحات(( الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ )) ((فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )) (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً)) 2 الهداية ))وَزِدْنَاهُمْ هُدًى )) 3 الحرص على رشد الاخرين : (( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا )) 4 عدم ادعاء الكمال : (( قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ )) 5 التلطف في السلوك والرفق في التصرف : (( وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا )) 6 اليقين بوعد الله : ((كَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ )) 7 الايمان باليوم الآخر : (( وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا )) 8 ترك المماراة (( فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا )) 9 ارجاع المشيئة لله (( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ )) 10 ذكر الله تعالى : (( وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ )) 11 سؤال الله الهداية لمزيد الرشد : ((وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا )) 12 الصبر : (( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ )) 13 عدم ايثار الدنيا وزينتها : (( وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )) 14 الامتناع عن طاعة من اتبع هواه : ((وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )) 15 قول الحق : ((وَقُلِ الْحَقُّ )) 16 عدم الاشراك بالله : (( وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا )) 17 الايمان : (( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً)) 18 الاستغفار : (( وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلاً)) 19 الحذر من النسيان : (( فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا)) 20 تحمل التعب من اجل تحصيل الرشد ومزيده : ((قَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)) 21 الحذر من مكائد الشيطان : (( وَمَا أَنسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)) 22 التراجع الفوري المُبصرعن الخطاء وفي حال النسيان: (( فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا)) 23 الحرص على رحمة الله : (( عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا )) فهي اساس الرشد ولذا كانت البسملة في مطلع التلاوة وهي محفوفة بالرحمانية وطلبها 24 طلب العلم وتحصيل مزيده : ((قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)) 25 الصبر في طلب الرشد ودروبه والتخلق بأخلاق طلبه : ((قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) (( ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )) 26 تعليم العلم لمن يقوم بشروطه : ((قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا )) 27 البعد عن الجناية بحق الآخرين كبيرة كانت ام صغيرة في حد ذاته وفي عواقبها : ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) وقد كان قول موسى في ظاهره وجيهاً لكن كان فعل الخضر في باطنه وجيهاً فانما كان فعله (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) ،ويتكرر التجني بل الاجرام للوهلة الاولى ((أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ )) ولكن الجواب والسر الدفين العجيب ((وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا )) 28 بذل النصيحة وان بلغت المعاتبة : ((حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا )) 29 الاعتذار للمعلم والاعتراف بالخطاء واعذاره فيما يتخذ من عوقبه في حال تكرار الخطاء من المتعلم ((قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)) (( قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا )) 30 اجتناب المؤاخذة خاصة من المعلم لتلميذه طالما كان الخطأ او التقصير عن نسيان ومن دون ارادته : (( قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا)) 31 انكار المنكر ((قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا)) 32 طرح الآراء وتقديم الافكار دون تردد فلعل رأياً او فكرة توافق صواباً: ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا )) 33 الحرص على تقديم النفع خاصة لأهل الرشد ((فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا)) وقد كان السبب ((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ)) 34 الصراحة والوضوح : ((قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا )) 35 الحرص على الافادة : ((سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا)) 36 ارتكاب اخف الضررين في حال الاضطرار الى احدهما ((أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 37 الحرص على العمل الشريف ومؤازرة اهله : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 38 الرحمة بالضعفاء والمساكين : ((أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 39 الحرص على المعلومات الصحيحة (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 40 بناء القرار الملائم والمناسب بناء على المعلومة الصحيحة (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا 41 تنفيذ القرار كما هو من دون زيادة ولا نقصان ((فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا)) ((خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا))ولم يكن ما احدثه من خرق الا بما يعيب السفينة ولا يعرضها للغرق ولكن في طبع موسى عليه السلام حدة معروفة ((وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ)) 42 عدم اتخاذ المضلين عضدا : ((وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا )) 43 اتخاذ الاسباب : (( فَأَتْبَعَ سَبَبًا )) 44 العدل : ((وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86) قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا )) 45 الاعتماد على الله و رجاء توفيقه وتمكينه بعد الاخذ بالأسباب : ((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا )) 46 تفضيل العمل الجماعي والدفع بالمشاركة الجماعية وتجنب الفردانية والتفرد في صنع الانجاز وتحقيق الهدف وبلوغ الغاية ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) وتلاحظ هنا المفردات : اعينوني،آتوني،انفخوا ..آتوني مرة ثانية .. 47 الاستفادة من الطاقات وعدم إبخاس الناس حقهم في المشاركة بحسب طاقاتهم وعدم تكليفهم باكثر مما يحسنون مع خلق روح الايجابية لديهم ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) 48 الإتقان في العمل والإخلاص فيه : ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا )) والمعيار ((فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا )) 49 الاعتراف لله بالفضل والمنة ،والبعد عن الغرور بالصنيع الحسن والتشبّع به: ((قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي )) 50 اغتنام الفرص في تذكير الخلق بخالقهم وقدرته واحسانه :((قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي )) ((قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِّن رَّبِّي فَإِذَا جَاء وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا )) 51 عدم طلب التحول من المكان والحال الحسن والمكانة الطيبة : ((لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )) ماذا للراشدين : • دخول الجنة والخلود فيها : (( لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا )) ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً (107) خَالِدِينَ فِيهَا لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً )) • التوفيق والنجاح وادراك لطف الله وعونه في الدنيا : ((وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ)) • التمكين في الأرض : ((إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ )) • التزويد بأسباب القوة والنجاح : (( وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا )) صفات غير الراشدين : كما انه من المهم معرفة صفات الراشدين فانه من المهم كذلك معرفة صفات غيرهم،حتى يدرك الانسان ،والغافل خاصة،من أي الفريقين هو،والى أي حد هو متصف بصفات احدهما،كما ان الضد يُظهر حسنه الضد،وفي التعرف على صفات غير الراشدين توقي من الاتصاف بها ،و قد تناولت السورة الكريمة هذه الصفات اجمالاً لها وتفصيلاً : 1 الرجم بالغيب والقول من غير علم : (( راَجْمًا بِالْغَيْبِ )) ومنه القول على الله : ((قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِبًا)) 2 الغفلة عن ذكر الله ومنه القيام بطاعته (( مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا )) 3 اتباع الهوى (( وَاتَّبَعَ هَوَاهُ )) 4 التفريط واضاعة ما حقه ان يحافظ عليه ويُقام به : ((وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا )) 5 النظرة المادية والاستكثار بعرض الدنيا : (( فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا )) 6 ظلم النفس : ((وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ )) 7 الظن السيئ و طول الامل : (( قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا )) 8 عدم الايمان بالساعة : وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)) (( الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ )) 9 الامنية الحسنة بغير عمل يوافقها : ((وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا )) (( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا 10 مخالفة امر الله : (( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )) 11 اتخاذ الشيطان ولياً مُطاعاً من دون الله : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً )) 12 الزعم في ما يتصل بالاعتقاد : (( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا)) 13 الاشراك بالله : (( وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ )) 14 الجدل : (( وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً )) (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا)) 15 الاستهزاء بآيات الله وانذاره (( وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنذِرُوا هُزُوًا )) ((ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا )) 16 الاعراض عن آيات الله : ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا )) 17 نسيان الخطايا والآثام )):وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ)) 18 إمتلاك موانع الرشد والفقه : ((إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا)) 19 أخذ ما ليس بالحق واغتصابه : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 20 الاستخدام السيئ للقوة والقدرة والمكانة : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 21 التجرد من الرحمة والاتصاف بالقسوة والفضاضة والغلظة : (( أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا)) 22 اتخاذ الشيطان ولياً : (( أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)) 23 محدودية الفقه : (( قَوْمًا لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً )) 24 الكفر بالله : (( وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا 25 الإعراض عن ذكر الله : (( الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا )) جزاء غير الراشدين : • دخول النار (( إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا)) • حرمان التوفيق في الدنيا وحلول النقم : ((وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا )) • إحباط العمل (( فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا )) • الحرمان من لقاء الله و النظر الى وجهه الكريم في الجنة : (( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)) نماذج للفريقين : وكما تضمنت السورة جزاء الراشدين وعاقبة سواهم تضمنت السورة نماذج للفريقين : فضربت للراشدين نماذج :أصحاب الكهف ،صاحب ذي الجنتين ،موسى عليه السلام ،الخضر عليه السلام، ذي القرنين الملك العادل، و لغير الراشدين : صاحب الجنتين،الملك الظالم، ابليس، قوم ياجوج وماجوج . كما تضمنت السورة آيات دالة على كمال الله وبالغ حكمته،وتضمن آيات هي قواعد مهمة للمسترشدين والراشدين ...

الإخلاص.. المضمون والفاعلية

بقلم : مرعي حميد / مفكر وباحث الإخلاص هو واحدية وتوحيد جهة القصد في العمل فيكون العمل خالص متخلّص نقي مصفى من قصد الغيرية الغرضية والإنجازية المخالفة لظاهر العمل ولجوهره وحقيقته وما ينبغي له من غرض عقلاً ومنطقاً وخلقاً سوياً ،وسلامة من التناقض ،الإخلاص إرادة قلبية لازمة لصحة العمل والخلق تمنحهما الروحية الحقة، لا مجرد المراوحة عند تخومهما أمنية جافة لا حياة في أوصالها ولا ري يسقيها .وهو باعث وجداني وعرفاني نتاجه الحيوية والإندفاع ،أساسه الغالب الفهم الصحيح والرؤية الثاقبة والإصرار على الدأب في القصد والمسعى مع تعهد لذلك الباعث على الدوام ،وهو شعور دافع للذات للمثابرة الدائمة والفعالية العالية في سبيل تحصيل المرغوب والسلامة من المرهوب. كلما توفر للعمل الصالح الإخلاص كان أحرى بصاحبه النجاح فيه والتفوق في أدائه، فالإخلاص حامل على الإتيان بالعمل كأفضل ما يمكن وأفضل مما كان وظهر من قبل لدى صاحبه ولدى الآخرين ،إنه دافعية للإبداع ومولّد لسكب التجارب والمعارف والخبرات والبحث عن مزيدها في مشهدية إنجازية جديدة متجددة متقدمة ترنو إلى الأفضل ،هو حامل على استفراغ الطاقة .إنّه يقفز بالعمل من كونه مهمة ثقيلة يجب القيام بها إلى رغبة جارفة وتوحد معها بحيث تصبح حاجة للفرد وجزء من كينونته وهنا تكمن خطورة الاخلاص وقيمته ،إنه الارتباط العضوي مع العمل ومع الآخر والتضحية من اجله ومن أجله فقط لا لمصالح ضيقة إلا إن كانت شرعة الإخلاص هنا تحتملها وتقتضيها لمزيد إخلاص ولمزيد عمل بالإخلاص وإخلاص في العمل. ما خالط الإخلاص عمل إلا كان حرياً بالتلهف لمعرفته ومعرفة مضمونه والتعرف على صاحبه المخلص ،وما اتصف به إمرؤ في عمل او في جانب من حياته او كل حياته إلا كان مستحقاً للإهتمام بمعرفته ومعرفة طبيعة عمله وإنجازه فيه .هو منهج حياة وبصمة تميّز بل هو مصدر التميز وباعثه. يُحمد الإخلاص حين يكون خلاصة للرغبة الصادقة والفهم الصحيح للعمل الصالح ،انه تشمير عن ساعد الجد واطراح للكسل والمن والتسويف .وقد يقدم الانسان على عمل ويخلص فيه وربما كان به وفيه قدوة في الإخلاص وفي الإخلاص قدوة مع أنّ هذا العمل غير صحيح وغير صالح وضار مضر بالذات وبالآخر وربما بالمبدأ ذاته الباعث عليه ،إما من وجهة نظر غيره وقد يكونون كثر او معظم الخلق ،او من وجهة نظر الدين او العقيدة او القانون او الفكر والايدلوجيا التي يصدر عنها وينطلق منها وينتسب لها ،أو مجموع ذلك ،وهذا ناتج عن الفهم السطحي مع الرغبة الجامحة التي قد لا تسمح للمرء في احيان ان يقف ويتأمل مدى صحة عمله وخلوه من الخطاء والتناقض مع منطلقه الفكري والعملي .وعمل من دون فهم صحيح له يسير اخلاص صاحبه بتعثر بمجاهيل سبيله. حاجة الانسان للإخلاص تنبع من جهتين جهة ذاته فيخلص في عمله ليتحقق له الرضاء عن عمله و يشعر بكينونته ووجوده في الاعمال او العمل الذي نذر حياته ويشعر بها من خلاله ،ويخلص ليتمكن من اتقان العمل وتحقيق الإبداع ،ويؤدي العبادة مخلصاً فيها متقناً لها من اجل الله الذي لا يرضاها ولا يتقبلها الا ان كان قد أداها خالصة له من دون قصد رضا احد سواه ولا مثوبته ولا جائزته. لا يدرك غير العاقل حقيقة الاخلاص في قلب المرء ،ولكنه شعور يجده العامل من نفسه ،وأثر يبدو في عمله وكسبه وإقدامه وإحجامه ونشاطه وكسله وحماسه وفتوره ورغبته وقناعته وطمعه وزهده ،اثر يراه ويشعر به المحيطين حوله ولربما فاض عن دائرته القريبة حتى عرفه الابعدين في المكان والابعدين في الزمان . الإخلاص في العبادة المحضة : اخلاص العبد العابد لمولاه ان يقصد رضاه ومحبته دون ان يشرك معه احد غيره في الرغبة وذلك في كل عمل يبعثه التعبد المحض عليه ويباشره من منطلق تعبدي ،يؤدي عمله التعبدي لا ليعرف ذلك عنه الناس ولا ليكسب محبتهم ولا مكرمتهم ولا تقديمهم له والسلامة من تأخيرهم له ،انه عمل لله تعالى وحده لا شريك له في رغبته وقصده ،بل ان قصد رغبة احد سواه تتنافى مع قصده سبحانه فلا يحتمل عمل تعبدي إشراك ففي الحديث الذي رواه الامام مسلم : ((قال الله تبارك وتعالى : أنبأنا أغنى الأغنياء عن الشرك ، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري ؛ تركته وشركه))ان العمل حين يخالطه اشراك فانه يفوّت على صاحبه حضه الاعظم منه بل ويعود عليه بالخسارة والوبال كما ورد في حديث الثلاثة الذين تُسعر بهم النار ،فهو في الواقع فرط في العمل التعبدي لان شرطه ان يكون خالص لله وان يكون صحيحاً موافقاً لما شرع الله تعالى ،كما انه وبدلاً من ان ينال رضى الله ومحبته لإخلاصه فانه ينال سخطه وغضبه ومقته .انه بدلاً من ان يستحق المثوبة يصبح مستحق العقوبة لتفريطه ولسوء أدبه ،ان الله تعالى في غنى عن اعمال العباد ولكن هم مستفيدين من عملهم ان قصدوا به وجه الله اما ان اظهروا للناس الاخلاص والسلامة وابطنوا لعليم السرائر غير قصد رضاه والتعبد له بما جعله شعيرة لعبادته فانهم على خطر عظيم .يقول الامام حسن البنّا : ((و أريد بالإخلاص :أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله , وابتغاء مرضاته وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر , وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة , لا جندي غرض و منفعة , (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162) , و بذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم (الله غايتنا)...)). قد يتعب المؤمن والمؤمنة نفسيهما من اجل القيام بالعمل الصالح ثم لا يجتهدا في ان يخفيا عملهما هذا عن الناس او عن بعض الناس بداعي الرياء والفخر وحصول مدحهم واعجابهم وثنائهم ،كصيام او انفاق مال او قيام ليل او حفظ للقرآن الكريم ثم يظهرا ذلك للناس بداعي الرياء والسمعة. إنّ الأولى بالمؤمن ان يكتفي بعلم الله بعمله فلا يتطلع من بعد الى علم المخلوقين وماذا يساوي علمهم عند علم الله وماذا يساوي رضاهم عند رضاء الله ،هل يساوي هباءة ،بل لا يساويها ،يقول الله تعالى ((وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآَنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )) . و الأولى بالمؤمن على الدوام ان يجتهد في العمل الصالح ويحمد الله تعالى ان وفقه إليه وأقامه فيه ،ثم ينسى ذلك ويتناساه حتى عن نفسه كي لا يدخله العجب ،ويمنّ ويدل على الله تعالى به ،خاصة ان خشي ذلك من نفسه .وان اظهار العمل الصالح والتوفيق الالهي في حال تقديم القدوة والمثل للناس او لبعض الناس ليشمروا ويفعلوا ذات الفعل او اكثر منه وافضل ان هذا مما لابأس به بل هو يحسن ان ضمن المؤمن من نفسه عدم الوقوع في براثن الرياء ،ومثل هذا الاعمال الخيرية ،ومنازلة درجات القرب من الله تعالى ،قال الله تعالى (( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) ،وقد يدخل الشيطان او يحاول الدخول الى قلب المؤمن عبر تخويفه من ان يكون مرائياً في طاعة ما وإن الافضل له ليدفع عنه كيد الشيطان ان يذكر نفسه انه انما يعمل الأولى به كمؤمن وطامع في الله وما عنده من الاجر والثواب الذي يدخره لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات ويسارعون فيها ويتنافسون إرضاء لله ،وقد قال الإمام ابو حامد الغزّالي في الإحياء ((فلا ينبغي أن يترك العمل عند خوف الآفة والرياء فإن ذلك منتهى بغية الشيطان منه إذ المقصود أن لا يفوت الإخلاص ومهما ترك العمل فقد ضيع العمل والإخلاص جميعا)). ان المسلم يستعد بعمله الصالح على القدوم الحسن على الله فلا يفسد ما اعدده لنفسه عبر المرآة به ،إنّ عليه ان يحرص قدر ما يستطيع على كتمان عمله الصالح ،حتى انه يخفي عن يده اليسرى ما تنفق اليمنى وفي هذا القدر من الخفاء مزيد فضل من الله تعالى فمن العشرة الاصناف من الناس الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة ،يوم لا ظل الا ظله (( و رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه))والحديث رواه البخاري ومسلم وصححه الامام الالباني. وعباد الله المخلصين هم الذين اصطفاهم الله فاخلصهم واولئك تحديداً لا سلطان للشيطان عليهم فهو عاجز عن اغوائهم واضلالهم . قال سيد قطب في ظلال القرآن في تفسير قول الله تعالى حكاية من قول الشيطان :((قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)) قال سيد رحمه الله : ((والله يستخلص لنفسه من عباده من يخلص نفسه لله ، ويجردها له وحده ، ويعبده كأنه يراه . وهؤلاء ليس للشيطان عليهم من سلطان .هذا الشرط الذي قرره إبليس اللعين قرره وهو يدرك أن لا سبيل إلى سواه ، لأنه سنة الله . . أن يستخلص لنفسه من يخلص له نفسه ، وأن يحميه ويرعاه )). الاخلاص للوطن : يسعد الوطن بإخلاص بنيه له ،ويكون منهم الإسهام الايجابي والمثابرة الخلاقة في المجال الذي يعملون فيه ،وكلما ارتقى المرء في سلم المسؤولية كان لوجود اخلاصه لوطنه تأثير جميل اعمق وأثر ايجابي أوسع ،والعكس صحيح فكلما افتقر من اخلاص لوطنه ترك وجوده في موضع المسؤولية الاثر السلبي والتأثير الذي يسر العدو المتربص ،انه كلما توفر للوطن عدد اكبر من المخلصين من ابنائه حتى اصبح الاخلاص له صفة لغالبيتهم على الاقل فانه حينذاك يزدهر ويترقى ويتقدم ،وان اعترضته تحديات او عراقيل تخطاها وكنسها من طريقه الهادر بفعل ابنائه الخُلص الذين يعلون مصلحته فوق مصالحهم وقضيته كوطن فوق قضاياهم .وما اتعس الاوطان حين تبتلئ برجال في اعلى هرم السلطة ،بخاصة ،لا يملكون من الاخلاص الا إخلاص لأنفسهم ومقربيهم على حساب الاخلاص للوطن فيبنون ويهدمون ويظلمون ويضيئون ويفرشون ويطوون ،فيبنون ممالكهم ويهدمون مملكة الوطن ،يظلمون دروب الوطن ودروب بنيه بتجهيلهم والحفاظ على جهلهم وينيرون بصائر ابنائهم ومقربيهم في اسس الانانية وظلم الوطن بطريقة ناعمة ،يفرشون دروبهم بخيرات الوطن ويطوون عن الوطن درب العزة والمجد والتقدم والفخار والازدهار. يصف ول ديورانت في (قصة الحضارة)البندقية في عهدها الزاهر ((كانت البندقية تنتعش انتعاشا سريعاً بفضل تعاون جميع طبقاتها تعاوناً منظماً قائماً على الإخلاص للمصلحة العامة في سبيل إعادة التجارة والرخاء المادي))وقال في دعامة في قيام الدولة : ((لقد قامت الحضارة اليونانية القديمة على الإخلاص لدولة المدينة والتفاني في حبها)) . الإخلاص في العمل : مدني كان ام عسكري عام أم خاص ،الاخلاص مفتاح للنجاح فيه ،كما هي الرغبة فيه مفتاح ثان لا ثالث له وقد تعوض عنه الحاجة اللازمة له ،ولكن شتان بين روح الرغبة وروح الحاجة ،غنية روح الرغبة وفقيرة روح الحاجة ،والاخلاص في العمل يتضمن تمام الحرص على الاتقان فيه وتحسين الأداء وتجويده على الدوام سواء تم تقدير العامل من صاحب العمل ورئيسه ام لا ،وهذا يتطلب من جانب صاحب العمل ورئيسه التحبيب والترغيب في العمل المعني وبيان اثره الايجابي في المجتمع كما يتطلب منه التلطف مع العاملين وتجنب القسوة معهم الا عند الحاجة الماسة وبالقدر المناسب ،ان يكون بشوش متواضع في غير تبذل ولا ترخص يسقط الهيبة . الإخلاص للمبدأ : فيتفانى في سبيل خدمته واظهاره ونشره وكسب المعتنقين والمناصرين له ،انه يعني العيش من اجله وفي سبيله طالما هو مقتنع به ،ولا يمنع هذا ان يسعى ليزداد به اقتناعاً وايماناً ليزيد من مضمون اعتناقه له ،بل ان من صحة الايمان بالمبدأ السعي لتعميق الايمان به وتحصيل الاطمئنان القلبي به حتى يزداد تمسكاً به عن علم ومزيد علم .يقول الامام حسن البنّا : ((إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها ، وتوفر الإخلاص في سبيلها ، وازدادت الحماسة لها ، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها )) التربية على الإخلاص : إنّ المرء يحتاج ان ينمي في نفسه وروحه الإرادة المخلصة ،كما ان عليه ان يبادر اي حشائش ضارة بشجرته ودوحته قد تنمو في روحه ،يجب ان لا يسمح ببذرتها ولا بنبتتها ان تظهر بل يجتثها بسيف الإرادة المخلصة ،انها ان تواجدت ووجدت لها فرصة الانبات والظهور تصبح عصية على القلع بل لا ينكرها صاحبها وتكون مرحب بها ومقبولة ويتكيف معها فتسيطر عليه وتوجهه شر توجيه ويتبدل به الحال من محسن الى مسيئ ومن حسن الى سيئ ومن محق الى مبطل ومن عادل الى ظالم ،انها تخرب لديه جهاز المناعة الذي يحول بينه وبين الردي والضار من الاعمال بل و الإجرام والصلف والعربدة ،بحسب المتاح لديه من امكانية على ذلك ونقيضها . ومن المهم تعهد شجرة الاخلاص في قلوب الناشئة وعقولهم حتى لا تغتالها وتجتثها وتحل محلها شجرة النفاق والمجاملة والمداهنة والتملق فتفعل بهم وبسواهم فعلها القبيح ونتاجها الشائن .وان من تعهدها عدم السماح لشجيرات المصلحية الضيقة والغائية التشاركية في العمل التعبدي بالنمو ،مطلوب مننا ان نكافئهم ونشجعهم بالكلمة الحسنة والإيمائة الطيبة ولكن ان لا يصبح هدف الصغير من تعبده ان يحصل على هذا منا ولكن لنواصل تذكيره كما تكريمه بان هذا العمل هو لله ويجب ان يكون كذلك وما هذا الذي يجد منا الا (عاجل بشرى المؤمن)،اما الكبير فينا اذا مدح فانه اكبر من ان يغتال نيته في كسبه البديع مديحنا ولكن لا يكون هذا ديدن لنا ولنتعرف على من نمدح قبل ان نمدحه ،ولا نكثر من هذا فنقطع عنقه ونكسر صلبه ،وفي الحديث المتفق عليه((عن أبي بكرة قال : أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ويلك قطعت عنق أخيك " ثلاثا " من كان منكم مادحا لا محالة فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه إن كان يرى أنه كذلك ولا يزكي على الله أحدا " . وختاماً ... يمنحنا الاخلاص السعادة وتحقيق التناغم الداخلي بين المبدأ والممارسة ،وبين الممارسة والحرص على الاتقان والإحسان فيها .

تجربتي الروحية

بقلم : مرعي حميد/مفكر وباحث ـ اليمن هل عرفت أروع ما في الحياة ،أروع و أبهج ما في الدنيا ،جنة الدنيا؟؟؟؟ قف معي و إقرأ الى النهاية تعرف اروع ما في الدنيا ليكن هذا المقال هديتي إليك بمناسبة حلول العام الميلادي الجديد 2014م كان آخر ما يخطر ببالي أن أنشر هذا (المقال) الذي اعددت جميع مادته لتنشر كملحق بكتاب جديد من تأليفي هو في الطريق اليكم بإذن الله تعالى .وفي مطلع المقدمة أحب ان اقول : إنّ ما تطالعونه لي من كتابات روحية ايمانية على صفحتي على الفيسبوك او مجموعتي (الإيمانيات والروحانيات ..مرعي حميد) او مجموعتي (الاحسان مرعي كرامه حميد) على الفيسبوك او في مدونتي الايمانية ،او في مقالي شبه الشهري التربوي بمجلة النور الصادرة من صنعاء،او في غيرها ...كل هذا عندي هو في سياق واحد متصل هو سياق ونتاج تجربتي الروحية التي مضى عليها 23عاماً من بدايتها ،وهو سياق قد يستغرب له البعض بسبب ما عُرف عني من اهتمام بالسياسة كاتباً ومحاضراً ،و أود هنا ان اقول إنّ أمر السلوك الروحي غير مرهون بسن ولا بشكل ولا هيئة ولا ملبس ولا نسب ،ولا تخصص أكاديمي ،ولا حتى كتابة وتحدث للناس ،فكل هؤلاء قد يكونون لهم تجارب روحية وسلوك روحي تصوفي نقي مستمر متصاعد. بطبيعة الحال فانه يهمني جداً أن اتعرف على تجارب غيري الروحية واجتهد وابحث عبر الكتب والمجلات ،ولم اعثر على تجربة مكتوبة حتى الان انما نتف متفرقة لا تقدم صورة لتجربة روحية، كانت آخرها تجربة الدكتور المغربي طه عبدالرحمن ،و لا أعني انه لا يوجد أصحاب تجارب روحية عميقة ولكن ربما لم يكتبوا مع ما في هذا النوع من الكتابة من خطر ،وما يصحبها عادة من زهد كبير جداً في التحدث عنها ،وربما لم اعثر بعد على بغيتي في تنقيبي ،هذه المرة جربت ،ربما من جديد ،وكتبت على قوقل (تجربتي الروحية) فكانت النتيجة ان عثرت على ما اسماها صاحبها تجربة روحية و تبين لي سريعاً انه انما كان متأثر بصوفية الخرافة و انتبه منها وتاب ،وهذا في الواقع ليس تجربة روحية ،فالتجربة الروحية الحقيقية لا يتوب منها صاحبها ،انها ترقي الى الله وقرب روحي منه فليس بمعصية حتى يُتاب منه ،على العكس ،قمة سامية يتمناها كل من عرف معنى ومضمون الترقي الروحي ويبذل من أجلها الغالي والنفيس ،و قد وجدت احتفاء بصاحب هذه (التجربة) يصب في خانة التشويه التام لكل التصوف ،ومن هنا وتسريعاً لما هو آت باذن الله تعالى ،رأيت أنه من المناسب التعجيل بنشر هذا (المقال) ،وسيجد فيه كل طامح في الترقي الروحي والايماني والتصوفي السُني ،مثال معاصر ،حافل بالدروس ،وكل تجربة روحية مكتملة من بداية السلوك حتى قمته العالية ،هي طريقة مستقلة ،ومن هنا جاءت تسمية (الطرق الصوفية) . إنّ الكتابة في (التجربة الروحية) امر أشبه بالمخاطرة ،خاصة الاختلاف الكبير الموجود في تعريف مصطلحاتها ومصطلحات أحوالها ،هو بحر صعب ،ولكن ثقتي في تجربتي وتعمقي في هذا المجال وثقتي في ان ما تم لي انما هو فضل من الله تعالى مع اهمية وجود تجربة معاصرة في هذا المجال تُثبت انه ليس تاريخ روحي مجيد فحسب ،ويحسن هنا ان أضع تعريفاتي للمفاهيم الواردة بعدها ضمن هذا المقال، وهي هنا تعاريف عملية تتناسب وطبيعة هذا المقال ،كما انها تحتوي على إشارات مهمة ومضامين لا غنى عنها لمن أراد أن يسلك هذا الدرب الرباني النوراني العرفاني الجليل ،وهي وجهة نظر عبد ضعيف سلك وعرف: 1) التصوف : طريقة وميل ونزوع فردي عقلي وعلمي وعملي لتزكية النفس وتهذيب الروح تحلياً بالفضائل وتخلياً عن الرذائل وترقياً في درجات التديّن و سلوكاً في مدارج العبودية لله وصولاً إلى مقام الشهود الروحي ومنزلة العيش مع الله وكأن السالك يراه وثباتاً في هذا المقام وعلى هذه المنزلة حتى يلقاه. والتصوف كمكون ليس هو التدين في مضامينه ومراميه ولكنه طريقة لا يُكاد يستغنى عنه للتدين في تكامله وبلوغ كمالاته والثبات عليها حتى لقاء الله . ولم يعرف حقيقة التصوف من يناصبه العداء ،وان كل منتسب الى التصوف مدعي له مخالف لقيم التصوف السامية فانه ليس بصوفي في الحقيقة وكل حديث من هذين الصنفين من الناس عن جوهر التصوف وحقيقته ما لم يكن منقولاً، فهو مردود لأنهما لم يعرفا حقيقة التصوف فكيف يعرفا الآخرين به تحبيباً او تنفيراً، وفاقد الشي لا يعطيه ،ان تعريف التصوف يحتاج من صاحبه الى معرفة سلوكية وخبرة تذوقية، وكم من شبهات اثيرت حول التصوف بسبب هؤلاء المدعين للتصوف و المتقولين وتعريفاتهم المدعاة ، و تعريف اهل التصوف الحقيقيين في بعض الاحيان يركز فقط على جانب فقط من جوانب التصوف . واحيانا يعممون حالة من الحالات ويعتبرونها هي كل التصوف .و للتصوف اسماء مثل : السلوك ،التزكية، التربية الروحية ،العرفان ،وللمتصوفة الحقيقيين اسماء ابرزها: العبّاد ، السلوك ،السالكين ،العارفين، اهل الارادة ، ارباب السلوك . 2) الحياة الروحية : هي هبة الهية في حالة قلبية روحية شائقة جليلة القدر رفيعة المنزلة يعيش فيها المؤمن مع الله تعالى يشهده بروحه حصيلة للتطهر من الذنوب والمعاصي و للمعرفة القلبية بالله وطاعته ومجاهدة النفس في سبيله . حالة يعيش صاحبها في رحاب الله يستروح نسمات القرب العليلة على روحه ،يتفيأ ظلال الود الالهي الندية ،ويرتشف من معين الصفاء مع الله ومسارته وحلو مناجاته، هي اروع حالة يمكن للإنسان عيشها في هذا الوجود وهي حصيلة المعرفة بعظمة الله وتذكر نعمه عليه ويقين العابد واستشعاره لحقيقة قربه تعالى منه بعلمه وسمعه وقدرته وهدايته ومن كل خلقه وان لم يستشعروا هذه الحقيقة الساطعة المشرقة على قلب العابد وروحه ..وتتأتى هذه الحال للعابد وهو يعيش في رحاب الله بطاعته والمسارعة اليه بأنواع القربات والاقبال عليه بشتى صنوف ذكره مُستشعراً لتلك الحقائق :صلاة مكتوبة كانت ام نافلة وذكر لله وتلاوة لكتابه الكريم ودعائه وسؤاله والتذلل لعظمته ،ولذا نجد الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم ينادي بلال رضي الله عنه ارحنا بها يا بلال لأنها تأخذه كلياً وجمعياً الى رحاب الله والانس به تعالى كأروع حالة ممكن للإنسان عيشها ،فكيف ان كان الانسان رسول الله ،وفي الصلاة تجد ملاقاة الله ومناجاته وتلاوة كتابه وذكره 3) السالكين: هم مجموع السائرين بقلوبهم وأجسادهم و أرواحهم نحو الله تعالى عبر الايمان العميق والاكثر عمقاً والاعمال الصالحة (الاوراد) 4) الأوراد : هي مجموع الاعمال الصالحة التي تتمخض عنها الواردات فالأحوال والمقامات ، ومن الأوراد تحديداً وتخصيصاً : الصلاة ،قراءة القرآن ،الذكر المطلق ،الدعاء ،التفكر في الكون و المخلوقات ،القراءة في كتب اسماء الله الحسنى والعقيدة المؤثرة ،الصيام نفل و فرض ،قيام الليل ،التوبة ،الاستغفار ،الاعتكاف في المسجد والمكوث فيه ،اناشيد ايمانية روحية ... 5) الوارد :هو العبير الروحي والنسيم الإيماني الذي يهب على الروح فينعشها ويُمتعها ويزيدها صفاء ونقاء وهو مدخل الى (الحال) . 6) الروح : الروح تكوين معنوي واعي يشكل مع تكوين المادة المادي حقيقة الانسان ،و الروح تكوين يتسع ويضيق يكبر ويصغر ينعم ويشقى لدى صاحبه بحسب اهتمامه به تماماً كما التكوين المادي ،له غذائه كما للجسد غذائه ، قابل للصحة كما هو قابل للمرض ،وبين التكونين المادي(الجسدي)و المعنوي(الروحي) للإنسان الواحد ارتباط واتصال وتواصل ،و النفس هي الانسان بروحه وجسده . 7) الشهود الروحي : الشهود الروحي هو حال ومقام تشهد فيه الروح المؤمنة الوجود وواجب الوجود ،الله تعالى، بعين البصيرة وفي وقت واحد تحقيقاً لشهادة التوحيد ،و عبارة (كأنك تراه) في حديث جبريل ،(( أن تعبد الله كأنك تراه)) ،وهو التجلي الأسمى لمقام الاحسان .حياة روحية عرفانية تعقلية تستغرق الشعور والاحساس والمدركات تستحضر في تكثيف معرفتها الروحية العميقة بالله وبالموجودات بالدنيا والآخرة ،وتبلغ الذروة في حال العبادة الصرفة وبها تغدو جنة الدنيا والروح المُعجلة. هي التجلي الروحي لشهود المعبود الحق وصفاته واسمائه وخلقه ومعبوداته و تدبيره للأمر من فوق سماواته وعرشه .ويتبعها شهود روحي للرسول الكريم محمد بن عبداللاه صلى الله عليه وسلم رسول موحى اليه من ربه المعبود ذي الجلال وينطق العابد بالمشاهدة الروحية للمصطفى صلى الله عليه وسلم وهو يسلم عليه في تشهده سلام الحاضر ((السلام عليك ايها النبي ورحمة الله وبركاته )) . 8) الترقي :الصعود الروحي الإيماني عبر السلوك الواعي الصادق المتخذ للأسباب : الفرائض ،النوافل ،ومعها :الصدق والاخلاص والتوكل والمحبة لله والانتهاء عن المعاصي والذنوب والاجتهاد في الطاعة والفرار من الإثم . 9) الرؤية الروحية: المشاهدة بعين الروح ، مشاهدة روحية تتم بالروح وقدرته الشهودية فوق البصرية المعلومة مستوعبة وهاضمة للمعرفة العقلية . 10) المشهد الكامل للوجود :الصورة الذهنية الروحية الشاملة من دون تفصيل التي تشمل الارض والسماوات السبع و فوقها الحي القيوم الذي لا تدركه الابصار ولا تدركه العقول .ولكن يسع الروح ما لا يسع سواها عبر الرياضة الروحية بتوفيق الله تعالى . 11) الذوق : هو منازلة الفرد بلحمه ودمه ووعيه للمعاني الروحية ووجده لإشراقاتها على روحه 12) الحال :هو المقام في اول وجوده ،فيكون حالاً معرض للتحول والذهاب لعودة قادمة له او لا عودة 13) المقام : هو المنزل الروحاني الذي يستقر فيه السالك ويبقى فيه لا يغادره ،ويكون في اوله حال مؤقت مُلهم ثم يثبت بتوفيق الله ثم بالممارسة الروحية و التعرف عليه من مضانه الصحيحة .وحين يرتقي السالك مقام أعلى فانه انما يضيفه الى ما سبقت له من مقامات كمن يصعد أدوار في عمارة عالية . 14) سلوك : توجه روحي الى الله لتحقيق القرب المعنوي والتصوري الإيقاني العميق منه جل جلاله . من كمال حديث المهتمين بالتجربة الروحية ومن لهم تجربة سلوكية روحية أن يعرضوا تجاربهم الخاصة ،ومنهم من يفعل ومنهم من لا يفعل ،ولذا رأيت وانا بصدد مؤلفي هذا ان اعرض مراحل الترقي في تجربتي الروحية التي وفقني الله اليها حتى لا يكون مؤلفي مجرد نقل وسماع واعجاب وتجميع على غير أساس ذوقي ،وحتى لا يظن ضان ان بلوغ مقامات الروحانية العالية انما كان لمن مضوا ولا يمكن ان يتأتى لاحد من بعدهم ،وحتى يكون لما كتبت ما ارجوه من الأثر بتوفيق الله ... لقد مررت في ترقيي الروحي بالمقامات والاحوال التالية و بترتيبها الموجودة عليه أدناه ،ولم أكن اتطلع الى أي منها تحديداً ولكنه توفيق الله وفضله ،وسأورد هذه المراحل بأكبر قدر من الاختصار ،مع انني اعذر من لم يفهم قولي ،فهذا مجال نادر ان يطالع فيه معظم أهل هذا الزمان ،كما ان مفاهيمه غامضة على كل من لم يجربه ويتذوقه ،واذا ذهبوا الى مصادر هذه المعرفة المفترضة وجدوا اختلافاً وتبايناً ولذا حرصت على ان اضع ،اعلاه ،بين يدي مقالي تعاريفي المبنية على تجربتي المؤكدة لما كان قد اطلعت عليه من قبل ولا أزال بفضل الله الذي استمد منه التوفيق والدوام ........... منذ 23 عاماً كانت بداية البداية ،كنت قبلها معتنقاً للفكر الاشتراكي وبإيمان به وحماسة شديدة ..... 1. شخصي الضعيف من مواليد اكتوبر 1970م ،منّ الله علي بالهداية في مطلع شهر رمضان عام 1989م ومن دون سبب إلا فضل الله تعالى فقد جذبني إلى رحابه ،كانت نعمة من الله عظيمة ومنّة جليلة .عملت إمام وخطيب لمسجد قرية حصن الحمضان (من قبيلة نهد) وهو قريب من منطقتي العنين وسط وادي حضرموت ،مكثت به ثمانية اشهر من عام 1991م وكنت امكث فيه من بعد صلاة العصر الى صلاة العشاء منفرداً في معظم الوقت وفيه تعرفت على كتاب تهذيب مدارج السالكين (تهذيب عبدالمنعم صالح العلي العزي وهو الاسم الحقيقي للداعية والمربي الاسلامي العراقي محمد الراشد) و الكتاب مختصر بديع لكتاب ابن قيم الجوزية (مدارج السالكين الى منازل اياك نعبد واياك نستعين)،وقد وجدت الكتاب السفر النفيس ضمن مكتبة المسجد المحدودة . كان هذا التأسيس والتمهيد المهم والمحوري . 2. في احد أماسي شهر رمضان من عام 1991م وتحديدا أثناء صلاة التراويح في مسجد جامع عمر بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت وكنت حينها طالباً في المستوى الأول بكلية العلوم والآداب والتربية بالمكلا ـ تخصص تاريخ ....وجدت نفسي اسمع كلام الله بطريقة مختلفة تماما عن ذي قبل ..اسمع كلام الله مع شعور كامل ان الله تعالى هو المخاطب بهذا الذكر المجيد لعباده من الإنس والجن ومنهم العبد الفقير مرعي حميد وهو حال قد قرأت سيد قطب يتحدث عنه في السفر النفيس ( في ظلال القران ) ولكن لم افهم ذلك الحال ولم اعش ذلك الشعور إلا ذلك المساء في صلاة التراويح وكان الإمام الحافظ أشرف عبدالكريم باحسين ..كانت طريقة الاستماع وحال الاستماع لذيذة ..ممتعة ..مدهشة ..مذهلة ..تفوق الوصف ..وكنت حينها أعاني من حالة مرضية ،علم بها كل المحيطين بي في المكلا والقطن بعد ذلك، بدأت الحالة المرضية جسدية بالتهاب في اللوزتين شخّصه الدكتور المثابر علوي صالح لحمدي ،ثم تحولت إلى حالة نفسية ذهنية ، ثم عافاني الله في أقل من شهر ..ما وجدته في تلك الليلة الرمضانية المباركة من حال استماع مختلف والتذاذ ذهب حينا من الزمن ..واستقر في شعوري انه إحساس مر مرورا عابرا وانتهى وذهب بلا رجعة ولم تبق إلا ذكراه و علويته ..ولكن ..مثلما ما من الله علي به أوّل مرة بفضل منه وتكرم ..أعاده علي مرة ومرات حتى غدا بحمد الله وتوفيقه مقاماً وملكة دائمة أجدها كلما قرأت كتاب الله أو استمعت له بحضور قلب وقالب، بل امتدت على نحو اشمل وأرحب وأوسع وكأني بها مقدمة لما بعدها : إلى كل مناجاة للعلي الأعلى وذكر له بقلب حاضر وسمع محصور على حديث القلب ومشهد كامل لهذا الكون ..وهي نعمة من الله أنّى لي ان أوفي شكرها ..ولا معشار الإيفاء ..رب أوزعني ان اشكر نعمتك التي أنعمت علي ..رب لك الحمد حتى ترضى و لك الحمد إذا رضيت ..و لك الحمد بعد الرضاء ..سبحانك ..لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك . 3. وقد ارتبط بذلك توجه في حياتي إلى التفكر في الكون الرحيب من خلال القراءة في الكتب العلمية الطبيعية والمجلات العلمية كالإعجاز العلمي ومجلة العلوم الامريكية المترجمة للعربية ،وقد أقبلت على شراء هذا النوع من الكتب والمجلات لهذا الغرض ولا أزال وكانت الثمرة بفضل الله أحلى .. أروع .. أمتع ما في هذه الحياة، اسأل الله الثبات ، وأضفت لها أمهات كتب التصوف ،غير البدعي المُطلق ،اسأل الله أن ينفعني بها والمسلمين ،وهي كتب لا تجد الخرافة اليها سبيل غالباً ،كما أن المرء بفهمه لا تنطلي عليه الخرافات ولا التهويمات ولا خوارق العادات. 4. رؤية روحية للموجودات وموجدها من محدود لحد يقرب من انتفاء وجود الانسان الرائي وذلك في مقام وخلال المناجاة والصلاة . 5. ثبات اندراج كل الوجود في المشاهدة في حال تلاوة القرآن او الصلاة او الدعاء او الذكر المطلق في حال حضور القلب وقد تعرفت في هذا الى مشاهد الخطاب في القرآن الكريم وهي تزيد عن خمسين مشهداً ستكون محور لكتاب قادم عن تدبر كتاب الله المجيد بإذن المولى تعالى . 6. رؤية للذات مع رؤية وجود هائل فوقه ويحيط به ثم ذي الجلال بدون نعت ولا صفة تجسيمية (يقين هائل به تعالى) 7. شك مزلزل كان مدخله من باب التفكر في الكون وقد منّ الله تعالى بكشف كربته و زوال غُمته ،وقد جلست خلاله الى حُجة الايمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني في بيته بجامعة الايمان بصنعاء . 8. يقين ثابت تام بالله تعالى واجباً للوجود ،الهاً واحداً لا شريك له ،مالك كل الموجودات وموجد مزيدها بمشيئته وقدرته المطلقة وفوق هذا مالك الملك ذي الجلال . 9. شهود روحي خلال الصلاة الخاشعة 10. عيش الشهود الروحي بصورة دائمة و الذوبان في بوتقته ،يزداد في حال الصلاة وذكر الله تعالى . 11. عيش العبودية حقيقة العبودية للمعبود الحي القيوم وكان هذا من نفحات الحج والاعتكاف في بيت الله الحرام قبيل ايام الحج عام 1432هـ 12. عيش روحي لحقيقة الدنيا وحقارتها جنب الآخرة كان كذلك من نفحات الحج والاعتكاف في بيت الله الحرام قبيل ايام الحج عام 1432هـ 13. لسان حالي : كما تريد فانت مولاي 14. يقين مهيمن بشمول لفظ الجلالة (الله) لكل الاسماء والصفات 15. يقين مهيمن باسم الله العظيم في كل صفاة الله تعالى واسمائه فهو العظيم في علمه وحكمته ورحمته وعذابه ....الخ 16. عيش مع الله في قربه وعلمه ويقين محسوس ان هذا اقصى قرب ممكن للحي القيوم الذي لا تسعه اقطار السماوات مصداقاً لقول الله تعالى ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )). 17. استشعار عيش (اعظم نعيم ) مع الله تعالى لا فرق بينه في الدنيا عن الجنة الا رؤية الله تعالى بعين الجسد الفاني وهي غير ممكنة في الدنيا مصداقاً لقول الله تعالى ((وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي)) 18. عيش حقيقة الطمأنينة بذكر الله 19. ربط العقيدة الشاملة بالعمل ،تصور اضف له الممارسة 20. محاولة تنقص من الشيطان (تشويه للترقي الروحي والتقليل من شأنه وتصويره انه مجرد وهم ) 21. الاستيقاظ والانتباه الدائم على مكر الشيطان 22. الاستيقاظ والانتباه الروحي على واجب الوجود والموجودات 23. الاهتداء الى مسمى الشهود الروحي ونحته من واقع التجربة والحال . (وقد ظننت ان ليس بعد هذا ترقي فكان رقم 24 وربما يكون الأخير و ليس لي تطلع ولا تعلق بغير هذه الادراكات الروحية.) 24. العيش والشهود الروحي لحقيقة (( يدبر الأمر)).... وهي تجتمع وتتكثف في تكوينها للمشاهد السبعة التالية ،بالإضافة الى التأسيس لها في مرحلة تحقيق الايمان : 1) مشهد الوحدانية 2) مشهد الفناء 3) مشهد البقاء 4) مشهد الوجود 5) مشهد الالوهية 6) مشهد القرب 7) مشهد التدبير إنني اعتقد جازماً ان توفيق الله تعالى اولاً هو الأساس لهذا الطريق والسلوك إليه تعالى وصولاً الى مقام الشهود الروحي ،ولا يشترط لصاحبه ان يكون له شيخاً روحانياً سالكاً مترقياً في المقامات الروحية، يجلس إليه ويعرّفه طريقه ،وتحل الكتب الموثوق بها محل الشيخ واهمها تهذيب مدارج السالكين والحكم ابن عطاء الله السكندري وشروحها ،ان السلوك الروحي في حقيقته وجوهره ليس علماً يُعلم ولا درساً يُلقى انما هو ذوق و وجد لكل سالك واصل على حده ،من المفيد القراءة في هذا المجال ،ومن المفيد الاستماع الى الشيوخ اصحاب السلوك الروحي العرفاني أمثال محمد سعيد رمضان البوطي ومحمد حسين يعقوب ،ولكن كل هذا لا يضمن بلوغ مقام الشهود الروحي .وان هذا الاستماع وذاك الجلوس وتلك القراءة اكثر من أي شيء هو وهي وسيلة لتبين صوابية السير وصحة الخُطى نحو مقام الشهود الروحي ومن ثم التأكد والتثبت من بلوغ هذا المقام . ومع هذا .... ومع هذا الشهود والترقي الروحي فانه تمر بي في حياتي الروحية فترات ،قد تكون لأسباب قاهرة ،ولكن نعمة الله تعالى عليّ سابغة ،فلم ينقص من مقامي الشهودي شيء ،وهذا محض فضل من الله تعالى .كما لا يعني هذا انني بلا أخطاء ولا ذنوب و لا تقصير في جنب الله ،وهو صاحب الفضل والإنعام ،وهو التواب الرحيم ،دعانا لنستغفر ونتوب ((الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (2) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ )) وقال تعالى : ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ)) نشاط الدماغ المشابه : إنّ أهمية المشاهد الروحية تتصل بمردودها على التعبد لا بان تجعل العابد شريك للمعبود في تدبير خلقه او شريك له في ذاته وكل ما قيل يخالف هذا مما عرف بـ (الابدال والاقطاب ووحدة الوجود) هو وهم ودعاوى وحالات دماغية لا علاقة لها بالروح ولا بالمشاهد الروحية المتحصلة بتوفيق الله ثم بالتعبد لله عبر مقامات الدين الثلاثة . لمّا فقدت الشهود : تزلزل كياني واضطرب حالي وتكدر خاطري ،وشعرت انني اخسر اروع ما في حياتي ولا يقدر بكنوز الدنيا ،العيش مع الله وشهود الوجود و وواجب الوجود جل جلاله ،حدث ذلك مرتين ومر سريعاً ،الأولى كنت في منطقة مجاورة لمنطقة سكني وكنت في مسجدها وانشغلت حينها بكتاب مدارج السالكين الكامل غير المهذب ،ثم كانت المرة الثانية ونحن نستعد للانطلاق من منى الى عرفة في الصباح الباكر من يوم عرفه 1432هـ ،وقد زاد بسبب الفقدين شعوري بعظم النعمة وشأن المنة. الخطوة التالية : أحضر حالياً لفتح مركز متخصص في هذا المجال يقدم لكل المتطلعين والشغوفين ببلوغ أعلى مقامات الاسلام الممكن الذي يحقق لهم بتوفيق الله ما يطمحون ووفق منهج يلتزم كتاب الله وسنة رسوله وعلى فهم أهل السنة والجماعة .... اليمن ـ حضرموت في ا محرم 1435هـ الموافق 4نوفمبر 2012م

الخميس، 14 أبريل 2011

سيرتي الذاتية

سيرتي الذاتية
سيرتي الذاتية
الفصل الأول : طالت سنينه
ولد صاحب الترجمة في وادي حضرموت مديرية القطن (المديرية الوسطى حينها ) عام 1970 الموافق لعام 1390 هجرية لإب يعمل في البناء ، وكان ترتيبه الثاني بعد نادية التي رحلت قبل ربيعها الثالث وكانت تربت على شعره في معنى من معاني محبة هذا الطفل ، كانت الأسرة سعيدة بهذا الابن البكر من الذكور ، كان أبيه يحب، وقبل أن يرزق به ـ أن يكنى حين يدعى به ( بو مرعي ) وغدا هذا اسم الشهرة له ، أبيه كان متابعاً للأحوال السياسية في البلاد العربية في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات على وجه التحديد وهو من المعجبين بجمال عبدالناصر ولا يزال يحتفظ بمجلة المصور المصرية احد أعداد حرب 1967 وسننشر على المدونة قريباً لقاء تم معه دون أن يشعر إلا بعد الفراغ من اللقاء، كانت جدته لأبيه فرحة بهذا الابن الذي سيدمي جبهتها بحجر حين يبلغ ربما الخامسة من العمر أو اقل ، ولعل هذا مؤشر على طبعه الذي سيتصف حين يشب بالحدة ، تلك الجدة كانت تغني لحفيدها قائلة :
مرعي كرامه حيوه ... طالت سنينه حيوه
كانت الجدة فاطمة عبيد بن سالم عليو الزوجة الثانية وبالسر في بداية الأمر لسعيد بن سالم بن عوض حميد الذي لن يراه ابنه منها كرامة حيث سيولد وقد فارق أبيه الحياة ليشب في رعاية جده لامه الكفيف عبيد بن سالم عليو .
كانت الأسرة تسكن قرية الكوت في الشمال الغربي من منطقة العنين بمديرية القطن ـ وادي حضرموت
الفصل الثاني : لينين
حين بلغ صاحب الترجمة السابعة من عمره انتقل مع أسرته إلى منطقة العنين المجاورة بعد أن ضاق بهم البيت المكون من غرفتين وريم ( سطح صغير مفتوح ) ومطبخ منفصل وحمام يبعد حوالي 40 متر عن البيت ، وفي العنين كان بيت سالم سعيد باضاوي ، رحمه الله رحمة واسعة ـ ساحة رحبة لأمنيات الأسرة الواصلة إليه والمكونة من الجدة والأب والأم جوهرة سعيد سالم عليو وصاحب الترجمة وأخته مسيره وأخيه سعيد ، كانت الأسرة ترتبط بعلاقات وشيجة مع سالم سعيد باضاوي وأسرته فهو متزوج من مريم عبيد هادي سالم خالة والد صاحب الترجمة شقيقة أمه ، وبعد عام يلتحق صاحب الترجمة بالتعليم في مدرسة 14 أكتوبر الموحدة بالعنين ويذهب في اليوم الأول للدراسة مبكراً ولكن أعادته كلاب الصباح الذي أخافه نباحها وكان ترتيبه في نهاية العام الدراسي الواحد والعشرين وكان ترتيب مخيب لأمله ولكن ما لبث من العام الدراسي الثاني أن تقدم ليحتل وطوال دراسته في التعليم الأساسي مابين الثالث والثامن ، كان التلميذ ومنذ عامه الدراسي الثالث شغوف بالنشاطات اللا صفية فالتحق بمنظمة الطلائع بالمدرسة وكان يلقي تحية العلم في الطابور الصباحي (( لنناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية وتنفيذ الخطة الخمسية وتحقيق الوحدة اليمنية )) وشارك في المسابقات الأوكروبية وقد كان ديك احدها من نصيبه وشارك في أعمال المسرح والغناء وفي عامه الدراسي السادس أصبح رئيساً للفرقة الطلائعية بالمدرسة من بعد فائز حسين بن صالح لحمدي واستمر حتى تخرج من الصف الثامن ، كان التلميذ شغوف بالقراءة وكان بعض الزملاء يحضرون معهم كتب قصصية لطيفة يستعيرها و يقرءاها صاحب الترجمة مثل إبطال العرب وأيام العرب يستعيرها من زميله علي يحيى بن صالح لحمدي ( علي صبري كما نحب أن نسميه )
وكانت حصة القراءة أحب حصة إلى نفسه ولا ينسى معلم المادة صالح محفوظ محيور الذي كان له دور لا ينساه في غرس محبة القراءة في نفسه ، وكان يعمل أثناء الإجازات الصيفية مع والد صاحب الترجمة في عمل البناء ويشيد بنباهة صاحب الترجمة ، وتطورت نوعية وحجم القراءة معه بمرور الوقت حتى قراء كتاب[ أيوجد حزب كهذا ] المكون من زهاء 300 صفحة وهو يحكي قصة الحزب الشيوعي السوفيتي أثناء الحرب العالمية الثانية وقد اوجد لديه الكتاب روح شغوفة بالمعلومات العسكرية بل وطلب من المشرف على المكتبة المدرسية حينها خميس صالح هجلان أن ينضم إلى الحزب الاشتراكي اليمني ولكنه اعتذر له لصغر سنه وكان المشرف خميس صالح هجلان من القياديين الحزبيين بالمدرسة .
كانت نقطة تحول كبيره في حياة التلميذ يوم انضم إلى اتحاد الشباب الاشتراكي اليمني ( أشيد ) وتشربت نفسه محبة الاشتراكية والاشتراكيين وفي مرحلة لاحقة غداء ينظر إلى نفسه باعتباره الأحق بان يكون سكرتير ثاني منظمة أشيد بالمدرسة وكان السكرتير الثاني حينها صديقه أكيد عبدالله سالم الخلاقي ولكن كانت عقلية في طور التشكل حملت صاحبها إلى أن يسر لصديقه أكيد الخلاقي قوله : (( لينين صلى الله عليه وسلم )) وهو أمر لا يستقيم ولكنه يدل على عظمة المعاني الدينية في نفس قائلها وهو يريد لهذا الزعيم الذي يحبه ولُقّب به أن يكون من المرضي عنهم من الله ، وفي العطلة الصيفية للعام الدراسي1984 ـ 1985شارك في المخيم الطلائعي بمدينة المكلا وخلاله ألقى كلمة منظمة الطلائع في مؤتمر المعلمين بالمحافظة الذي احتضنته ثانوية بن شهاب وكانت كلمة مكتوبة و لا ينسى قول المشرفين على المخيم له حتى لا يرتبك (( تخيّل انه لا يوجد أمامك احد في القاعة )) وكانت القاعة في ثانوية بن شهاب بالمدينة التي أصبحت شبه مستودع للمدرسة .
قبل أن يكمل مرحلة التعليم الأساسي عام 1987ترك الفكر الاشتراكي وتدين فترة شهور بداية من رمضان لكنه ما لبث أن عاد إلى قناعاته الاشتراكية.
كانت توجد لديه مكتبه صغيرة في البيت تحوي كتب اشتراكية وصحف ومنها صحيفة أنباء موسكو وصحيفة الثوري ومرت به مجلات فلسطينية شيوعية مثل : بيروت المساء والهدف ، وكان يتعامل مع مكتبته وأشياؤه باعتبارها كيان سياسي ـ شي يشبه الدولة ـ يتصرف فيه ، فيه دائرة خارجية ودائرة سياسية ودائرة أيدلوجية ودائرة دينية لكل منها كراسة خاصة ورئاسة للكيان واجتماعات وقرارات ومحاضر اجتماعات وكل ذلك في غرفة صغيرة لا يتجاوز طولها عشرة أمتار وعرضها أربعة أمتار ، وحين اتضح له أنّ عبدالفتاح إسماعيل القائد الذي يحبه قد غدر به علي ناصر في 13 يناير1986 سمى كيانه بـ ( كيان فتاح الاشتراكي ) وسمى مكتبته باسم مكتبة فتاح وكانت باسم ( مكتبة الصداقة ) وصلب صورة علي ناصر مقلوبة على سقف الغرفة ( المطوال ) .
و في ذات خاطر جال في ذهنه اختار لنفسه اسم مستعار هو ( كافرليمر ) وهو حاصل الحروف الأولى من اسم كارل ماركس وفردريك إنجلز ولينين وقد كان لخاله علي سعيد عليو دور كبير في تشجيع ميوله الاشتراكية وتزويده ببعض الكتب الاشتراكية مثل كتاب الاقتصاد السياسي لنيكتين وكتاب مرحلة الثورة الوطنية في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية لعبد الفتاح إسماعيل مؤسس الحزب الاشتراكي ( الطليعي )، بل كن خاله هذا وفي أول عمر صاحب الترجمة يراسل مجلة الصين المصورة باسم صاحب الترجمة وعلى ظرف احد الأعداد كتب اسمه مع شي من التحريف ( مدعي كرامة حميد )
خلال الإجازة الصيفية عام 1986 شارك في مخيم لاتحاد الشباب في منطقة الريدة الشرقية أقصى شرق حضرموت الساحل وخلاله قام المشاركون بأعمال الحفر لمد مياة الشرب إلى بعض قرى الريدة الشرقية مثل خاشيم .

الفصل الثالث : شكوك
وصل صاحب الترجمة إلى الدراسة الثانوية وهو معتنق الفكرة ا لاشتراكية مبدئياً لا مصلحياً ، إيمانا من الأعماق لا نفاقاً ونفعية ، وكان منذ البداية من أصحاب الحظوة لدى قيادة اتحاد شباب فتاح في الثانوية ، وفي أول سنة دراسية التحق بالحزب الاشتراكي اليمني عضواً مرشحاً على طريق العضوية الأساسية ثم تم اختياره سكرتيراً ثانياً للمنظمة القاعدية لاتحاد الشباب وهو اعلي منصب ممكن يشغله طالب في الاتحاد فالمنصب الأعلى كان لزاما أن يكون فيه احد المعلمين على أن يكون عضو أساسي في الحزب الاشتراكي ، كان عضواً نشطاً يتولى ترتيب إذاعة الطابور بما في ذلك ترديد الشعار (( للناضل من اجل الدفاع عن الثورة اليمنية )) وانغمس في نشاطات الحزب وأشيد ، وفي السنة الأولى الفصل الدراسي الأول رسب في مادة الرياضيات فقال له صديقه القديم أكيد الخلاقي (( رح خل أشيد ينفعك)) ، خلال العام الثاني في الثانوية كان مندوباً في مؤتمر اتحاد الشباب بالمديرية ثم كان الوحيد تقريباً مندوباً من شباب أشيد لمؤتمر اتحاد الشباب على مستوى المحافظة وقد انعقد في قاعة الإنشاءات[ رئاسة جامعة حضرموت حالياً ] .
في رمضان عام 1989 شهد تحولاً كبيراً في مسيرة صاحب الترجمة وتوجهه الفكري ففي رمضان ذلك العام صام كالعادة من أول يوم وحين ذهب إلى المسجد لأداء صلاة العصر حدثته نفسه أن يبقى في المسجد ليستمع إلى (عمر عبيد )باجسير الذي كان يلقي دروس منتظمة في شرح رياض الصالحين كل رمضان بعد صلاة العصر ، و لا يزال ، غير أن عقليته لم تطاوع نفسيته المكوث قائلة له (( أنت تستمع للمناصحة وأنت من أنت في اشدي والحزب )) وفعلاً خرج للتو و في اليوم التالي تكرر الهاجس ولكن هذه المرة رضخت عقليته الأمارة بالسوء لداعي العقل وربما حب الاطلاع وارتاحت نفسه وانجذب عقله ليفعل ذات الفعل اليوم التالي وبدا مراجعه فكرية داخلية أوصلته إلى قناعة بان الخير في التدين وطاعة الله ، وفي اليوم الثالث أو الرابع دفعه طموحه ليسال منير مهدي باجسير ابن قريته وزميل الدراسة في نفس الصف الدراسي ثالث ثانوي في البرندة البحرية : هل هناك شباب يجلسون في المسجد بعد صلا ة التراويح فقال له لا ولكن إذا أردت منا الجلوس جلسنا وهكذا بداء من ليلتها يجلس إلى شباب المسجد وكان بعظهم منهمك في تجليد المصاحف الهندية القديمة وسار في رحاب الهداية وترك الفكر الاشتراكي وقطع اتصالاته مع قيادة أشيد وقيادة الحزب بالثانوية
وتخلّص من كل الكتب والمجلات اليسارية ، وقد ندم على ذلك فيما بعد ـ ببيع الصحف لدكان سالم منصور باسيف وكانت عبوة دفارة [ عربة صغيرة تستخدم في أعمال البناء يدفعها الرجل الواحد بيديه ] ، و أعطى خاله علي عليو بعض الكتب ومجلة قضايا العصر التي كان يصدرها معهد عبدالله باذيب للعلوم الاشتراكية الكائن مقره بعدن عاصمة الجنوب آنذاك ، وفي آخر سنين الثانوية رابعة ثانوي بدأت رياح التغيير تهب في موسكو جرباتشوف وكان من الصدى رفض طلاب الثانوية مادة الفلسفة الاشتراكية وكان صاحب الترجمة بجانب عادل سعيد بامطرف في قيادة الاعتصام الذي انتهى بتحويل مادة الفلسفة من مادة أساسية لا ينجح التلميذ إلا بها إلى مادة غير أساسية بإمكان التلميذ عدم الامتحان فيها وانتهت الثانوية بحلوها ومرها .
الفصل الرابع : إماما ً وخطيباً

وبعد التخرج ذهب في مخيم لمدة أسبوع في مأرب ، ودورة مدة شهر في صنعاء معهد صنعاء العلمي وتولى إدارة آخرها الشيخ سعد حنتوس ثم عمل حوالي أسبوعين في أعمال البناء مع المعلم عاشور باجوف من العنين ولكن للتعب الشديد انتقل إلى عمل النورة وعمل اولاً مع المعلم احمد سالم عليو ثم عبدالعزيز هيثم هجلان وكانت المدة حوالي شهرين ، بعدها عرض عليه عمر عبيد باجسير إمامة وخطابة الحمضان في مسجدهم الجديد ووافق ومكث إماما ثمانية أشهر يتقاضى عن كل شهر ثلاثة ألاف ريال وكان من قبل وفي إجازة صيفية اعطى ابناء الحمضان دروس تقوية في بعض المواد الدراسية بالتنسيق مع أبو عمر الشخصية المؤقرة عامر بن صالح بن عمر بالحامض الذي ما يفتأ يذكّره في حضور آخرين متلطفاً ومتندراً بماضيه الاشتراكي .
الفصل الخامس : نكون أو لا نكون
انتقل بعدها لدراسة التاريخ بكلية العلوم والآداب والتربية بالمكلا التابعة لجامعة عدن ، وهناك انفتحت أمامه مجالات الثقافة والإبداع والانخراط في صفوف المجلس الطلابي بكلية التربية مسئولاً إعلامياً خلفاً لسالم احمد بن علي جابر وبتزكية من ابن مديريته القطن طالب اللغة العربية حينها احمد سعيد قويح وكان رئيس المجلس سعيد بامحرز وعضوية صبري محمد باجعاله وعبداللطيف الجريري وهود بن عثمان وانتخب معه عمر مصيباح من تريم في القاعة رقم 125 المشهورة بحضور عميد الكلية الدكتور محمد احمد فلهوم وتولى تحرير مجلة ( القلم الحر ) الحائطية ولا ينسى صاحب الترجمة الاعتصام ثم الإضراب الذي شهدته كلية التربية بالمكلا وقد وضع له شعاره الأساسي ( نكون أو لا نكون ) وشعار آخر هو كذلك من وضع كلماته يقول ( مطالبنا : إدارة كادر إعانة ) وقد كان للشعار دور في إثارة حنق الإدارة وبعض الأساتذة ، وبعد حرب صيف 1994 غيّر اسم المجلة إلى( منبر الطلاب ) وبزوال الحزب الاشتراكي من الجنوب بنهاية الحرب برزت فكرة توحيد كيان الحركة الطلابية في الجنوب ( المجلس المركزي للطلاب ) والشمال ( اتحاد الشباب ) وكخطوة أولى تم تعيين قيادة للمجلس المركزي كان صاحب الترجمة مسئولاّ لفروع الداخل ثم تم تشكيل ( اللجنة التحضيرية العليا للمؤتمر التأسيسي للحركة الطلابية اليمنية ) وانعقدت اجتماعاتها في صنعاء ، وضمن مهامه اشرف على انتخابات جديدة لاتحاد الطلاب بكلية التربية بالمكلا و الثانويات في ساحل ووادي حضرموت ثم كلف بإجراء انتخابات كلية الطب بعدن
الفصل السادس : التعب اللذيذ
بعد التخرج في يونيو 1996 وقع عليه الاختيار كمراسل لصحيفة الصحوة الإصلاحية الصادرة من صنعاء وخلال الفترة من يوليو 1996 إلى 1998 تمرس في العمل الصحفي وتلقى دورات في الصحافة بصنعاء نظمتها دائرة الإعلام والتوجيه بالتجمع اليمني للإصلاح، وفي عام 1999 قرر ترك مدينة المكلا والعودة إلى مسقط الرأس لأسباب عائلية وهذا جعله يترك مراسلة الصحوة لان مسقط رأسه منطقة بعيدة عن مقر صناعة الحدث ، وفي عام 2002 بدأت مؤسسة البادية الخيرية التي تأسست في أكتوبر 2001 بدأت في إصدار صحيفة البادية وكان الشيخ عبده مكتف مسئولاً عنها وكان لصاحب الترجمة إسهامات في الكتابة فيها وفي 2004 غادر عبده مكتف القطن إلى صنعاء فتولى صاحب الترجمة رئاسة تحرير الصحيفة وانتقل بها من ثمان صفحات إلى أثنى عشر ثم إلى ستة عشر صفحة ، وفي ابريل 2010 تحول عن رئاسة تحرير صحيفة البادية وقرر الانفتاح على دنيا الصحافة المطبوعة على مستوى اليمن و بعض المطبوعات غير اليمنية .
خلال تلك الأعوام الـ 14 في بلاط صاحبة الجلالة الصحافة أنجز العديد من الأعمال الصحفية هذه ابرز عناوينها وذلك حتى يناير2010 ومجموعها 66 مادة صحفية :
أولا : الاستطلاعات :
1. جزيرة سقطرى
2. محافظة المهرة
3. مديرية حجر ( ساحل حضرموت )
4. مديرية رخيه
5. مديرية ريدة الجوهيين
6. مديرية أرياف المكلا
7. وادي سر
8. مديرية حجر الصيعر
9. وادي السور تابع لمديرية العبر
10. وادي العين
11. مدينة الهجرين
12. سدة باتيس
13. الضليعة
14. مديرية الطلح
15. مديرية ساه
16. قضاعه
17. المياه المعدنية بالديس الشرقية والحامي .
التغطيات
1. اجتماع قبائل ساحل حضرموت بوادي يون
2. العرس الجماعي الأول بساحل حضرموت جمعية الإصلاح
3. العرس الجماعي الثاني
4. مهرجان العفاف الأول
5. ندوة قانون التأميم
6. ندوة قانون المظاهرات
7. زيارة ضيوف مهرجان العفاف الأول لمشروع مجمع البادية
8. القرني في حضرموت
9. مؤتمر الإصلاح في حضرموت
10. مؤتمر نقابة المعلمين في حضرموت
11. نازلة حضرموت رأي العين [ سيول 24 أكتوبر 2008 ]
12. ملتقى وادي عمد
13. ندوة سيؤن
14. مخيم طيبه الأول بالمكلا
15. مخيم سده العاشر
16. الدورة الشرعية الثامن بالفرط
17. ليتني الطاعم الكاسي
18. ملتقى القبائل بتاربه
المقابلات
1. علي جريشه
2. عائض القرني
3. سعيد بن مسفر
4. عبدالرحمن العشماوي
5. عوض محمد بانجار مقابلتين [ ذكريات + إيمانية ]
6. صالح النسر الجوهي
7. عبدالرحمن عبدالله بكير
8. محسن باصرة
9. صالح عباد الخولاني محافظ حضرموت الأسبق
10. صلاح مسلم باتيس رئيس مؤسسة البادية .
11. سالم عمر جوف [الدولة ] خبير في نجوم الزراعة
12. المهندس عبدالله علي صعتر
13. بابكر عثمان هارون أستاذ الأحياء بكلية التربية بالمكلا
14. عبدالقادر محمد الصبان
15. كرامة سليمان بامؤمن
16. صاحب التدريب الصنعاني
17. علي سالم بكير (غير منشورة )
18. الفلكي سالم الجعيدي ( غير منشورة )
19. الدكتور بافضل مارس عام 1997 (غير منشورة )
20. الشيخ صالح الحواني
21. الشيخ عبدالرقيب عُباد
التحقيقات
1. الزراعة في حضرموت
2. التجارة في حضرموت
3. الاصطياد في حضرموت
4. القضاء في حضرموت
5. الحضارم والاغتراب
6. مشروع مياه المكلا الكبرى
7. كهرباء حضرموت
8. السفينة الفرنسية لمبرج
9. مستشفى صالح بابكر الخيري
10. مستشفى الهجرين التعاوني
، ويحتفظ صاحب الترجمة بنسخة على الأقل من كل عمل .


الفصل السابع : نفحات الرحمان
البداية كانت في احد أماسي شهر رمضان من عام وتحديدا أثناء صلاة التراويح في مسجد جامع عمر بمدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت وكنت حينها طالباً في المستوى الأول بكلية التربية ..وجدت نفسي اسمع كلام الله بطريقة مختلفة تماما عن ذي قبل ..اسمع كلام الله مع شعور كامل أنّ الله تعالى هو المخاطب بهذا الذكر المجيد لعباده من الإنس والجن ومنهم العبد الفقير مرعي حميد وهو حال قد قرأت سيد قطب يتحدث عنه في السفر النفيس ( في ظلال القران ) ولكن لم افهم ذلك الحال ولم اعش ذلك الشعور إلا ذلك المساء في صلاة التراويح..كانت طريقة الاستماع وحال الاستماع لذيذة ..ممتعة ..مدهشة ..مذهلة ..تفوق الوصف ..وكنت حينها أعاني من حالة مرضية بدأت جسدية بالتهاب في اللوزتين ثم تحولت إلى نفسية ذهنية ، ثم عافاني الله في اقل من شهر ..ما وجدته في تلك الليلة الرمضانية المباركة من استماع مختلف والتذاذ ذهب حينا من الزمن ..واستقر في شعوري انه إحساس مر مرورا عابرا وانتهى وذهب بلا رجعة ولم تبق إلا ذكراه العاطرة و علويته ..ولكن ..مثلما ما من الله علي به أول مرة بفضل منه وتكرم ..أعاده علي مرة ومرات حتى غدا بحمد الله وتوفيقه ملكة دائمة أجدها كلما قرأت كتاب الله أو استمعت له بحضور قلب وقالب بل امتدت على نحو اشمل وأرحب وأوسع وكأني بها مقدمة لما بعدها : إلى كل مناجاة للعلي الأعلى وذكر له بقلب حاضر وسمع محصور على حديث القلب ومشهد كامل لهذا الكون ..وهي نعمة من الله أنى لي أن أوفي شكرها ..ولا معشار الإيفاء ..رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت علي ..رب لك الحمد حتى ترضى و لك الحمد إذا رضيت ..و لك الحمد بعد الرضاء ..سبحانك ..لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك . وقد ارتبط بذلك توجه في حياتي إلى التفكر في الكون الرحيب من خلال القراءة في الكتب والمجلات المهتمة بهذا الأمر ولو من الناحية العلمية وقد أقبلت على شرائها لهذا الغرض ولا أزال وكانت الثمرة بفضل الله أحلى .. أروع .. أمتع ما في هذه الحياة، اسأل الله الثبات ، وأضفت لها أمهات كتب التصوف غير البدعي اسأل الله أن ينفعني بها والمسلمين .

الفصل الثامن : ثمن التاريخ
أحببت التاريخ حباً جماً ولذا اخترت دراسته واشتريت من كتبه الشي الكثير، أول ما توظفت عام 1996 كان عملي مكتبي [ مدير إدارة الأنشطة والثقافة بمكتب الهيئة العامة للمعاهد العلمية بمحافظة حضرموت ] بمقرها الكائن بمدينة المكلا إلى عام 1999 حيث انتقلت إلى وادي حضرموت قريباً من الأسرة وهناك زاولت العمل لمدة سنتين تقريباً وبصورة مباشرة في معهد النصر العلمي بمدينة القطن إلى جانب كوني مدير إدارة الأنشطة الثقافية في فرع الهيئة العامة للمعاهد العلمية بوادي حضرموت التي تأسس في حدود 1999الكائن مقره بمدينة سيؤن حتى قررت السلطة وبإصرار إلغاء المعاهد العلمية فأصبح عملي في قسم الأنشطة المدرسية بمكتب التربية والتعليم بمديرية القطن ومكثت به أكثر بقليل من عام وحين وجدت أن مدرس مادة التاريخ الأساسي بثانوية القطن لن يزاول عمله هذا من جديد لمرض أصيب به وفي ألوقت نفسه محبتي لمادة التاريخ والملل الحاصل من المكوث في قسم الأنشطة مع عدم وجود عمل حقيقي طلبت من إدارة التربية والتعليم بالوادي والصحراء تحويلي لتدريس التاريخ في ثانوية القطن ولكن لعبت السياسة لعبتها فلم يكن العرض أمامي أن أردت تدريس التاريخ إلا ثانوية منطقة الغرفة الجديدة والتابعة لمديرية سيؤن وقبلت على أمل أن يتم تحويلي العام التالي إلى ثانوية القطن وكان التعليم الثانوي حينها لا زال مستقلاً وكان مديره مصنوم من بور وفي العام الثاني لم تكن القطن من نصيبي إنما ثانويتي شبام أولاد وبنات وكان مدير ثانوية البنات زميل دراستي الجامعية الأستاذ راضي علي السفرة وفي العام الثالث أصبح تدريسي في ثانوية البنات وثانوية حوطة احمد بن زين وكان أول عام دراسي بها وكان لي شرف الإسهام في التأسيس كأول مدرس تاريخ بها وفي العام الذي تلاه أضيفت لثانويتي الحوطة والبنات عشر حصص في مدرسة الحاوي الأساسية بنين والحاوي منطقة تقع على مفرق طريق بحيرة الحوطة أي ثلاث مدارس متباعدة ادرس فيها في وقت واحد ودون مواصلات شخصية ولكن كانت أيام التدريس موزعة بينها إلا يوم الأربعاء كان مشتركا بين ثانوية الحوطة [ بعد الاستراحة ] وثانوية البنات التابعة لمدرسة فاطمة [ قبل الاستراحة ] وفي العام الذي تلاه طلبت من مدير عام التربية والتعليم بالوادي والصحراء الدكتور محمد احمد فلهوم تحويلي إلى القطن وهذا ما تم ودرست ثلاثة أعوام دراسية متتالية في مدرسة بروج للتعليم الأساسي البعيدة عن منطقة إقامتي العنين خاصة أنني دون مواصلات وإنما على الخط العام وهذا أمر في غاية المشقة ولكن مرت سنوات بروج بحلوها و (مُرّها وما أكثره ) وبقي منها ومن سنوات حدرا [ شبام و الحوطة والغرفة ] ذكريات جميلة وأشخاص من المعلمين والطلاب كسبت معرفتهم ورسالة أديتها باقتدار كما احسب ، وأخيرا تحقق الحلم الذي طالما داعب خيالي ليس التدريس في ثانوية القطن ولكن التدريس في مدرسة 14 أكتوبر بالعنين التي درست فيها التعليم الأساسي ووجدت فيها لمواهبي وميولي إشباعاً فيها ردحاً من الزمن لا ينسى ولن ينسى وكان أول عام دراسي لي بها هو العام الدراسي 2009 /2010وكان الجميل والأجمل أن أجد مديراً لها الأستاذ القدير محمد كرامة بن نقيب الذي كان مديراً لها زمن دراستي بها أواسط الثمانينيات وفتحت فيها مكتبة متواضعة ضمت حوالي مئة وخمسون عنواناً من مكتبتي الخاصة ( على سبيل الإعارة ) إلى جانب قرابة ثمانون كتاباً ملك المدرسة أكثرها في اللغة والأدب وأضفت إلى ذلك حوالي مئة وخمسين مجلة ثقافية تناسب عقول التلاميذ .
الفصل التاسع : بلا حدود
الفصل العاشر : مملكتي [ مكتبتي الشخصية ]
تحتوي على أكثر من 1200عنوان موزعة على المجالات التالية : القران وعلومه ، العقيدة ، الفكر ، التاريخ ، السياسة ، الاقتصاد ، اليمن ، الإعلام ، اللغة ، التراجم ، العلوم البحتة ، الدعوة ، الفلسفة والمنطق، إسلامية منوعة ، و نحو 2000 مجلة منها أكثر من 400 عدد من مجلة العربي الكويتية ، نحو خمسين كرتون من الصحف المحلية والخارجية و هي مرتبة عندي بطريقة ابتكرتها و الحاجة أم الابتكار مثلما أنها أم الاختراع . صاحب الترجمة هو الباحث أينما يمم وجهه وحط رحله عن المكتبات والأكشاك وزائر كلما سنحت الفرصة لمعرض صنعاء الدولي للكتاب .

الفصل الحادي عشر : بحوث أعددتها في انتظار النشر
الفصل الثاني عشر : غراس الأيام
علمتني مدرسة الحياة ولا تزال تعلمني وستظل تفعل ذلك ما دمت ممتطياً صهوتها ، ومما علمتني :

• تفاءلوا بالخير تجدوه
• رب ضارة نافعة
• أسلوب الإخلاء والإملاء في عالم بث الفكر
• التغيير لابد له من إرادة وقدرة
• اصنع وجودك بنفسك
• سلوك القط لا الثعلب
• توفيق الله ثم القراءة مفتاح القدرة التعبيرية
• الصحافة مهنة التعب اللذيذ
• الكتاب خير ما يدخر
• لتكن أعمالك الصالحة لله لا للبشر فالبشر لن يغنوا عنك شيئاً بل سيفوتون عليك الأجر ويكسبونك الوزر ان أنت التفت إليهم وأنت في محراب العبادة .
• الطريق إلى الإحسان يمر بالمراحل السبع اللازمة والمرتبة التالية : الفهم ، الإخلاص ، الاستعانة والتوكل ، المجاهدة ، التفكر ، الشكر
• السياسة فن الممكن لا المستحيل .
ملاحق :
الشهادات الدراسية
الشهادات التقديرية
بطاقات
صور

رشفات روحية 1

بقلم : مرعي حميد
هذه الرشفات :
هذه الرشفات خواطر روحية ، إيمانية ، خطرت وتخطر لكاتبها في مناسبات ومواقف شتى يرصدها ويدونها ويحفظها ويشرككم فيها . وستقرؤونها بإذن الله تعالى وذلك كل ما استجد منها ما يكفي لتقديمه لكم مائدة روحية .
الأولى : أخي يستزيرني
ما أكثر مشاغل هذه الحياة وما أمضى سلاح سا وسوف ، مضت أيام وأيام لم أزر خلالها أخي الذي رحل عبدالباسط ، و أمر إنقطاع الزيارة لم أخبر به احد ولم يشعر به أحد ، وبينما كنت يوم الخامس من رمضان الجاري في المكلا مع أخي سعيد إذ به يسألني : لم تزر عبدالباسط منذ فترة ؟ استغربت في نفسي وأجبت لا، وسألته : ما الخبر فقال لي : لقد اتصل بي عبدالباسط في المنام يسألني : (( مرعي موجود )) ، والحلم يحمل دلائل عدة على حقيقة الحياة البرزخية فالميت يشعر بمن يزوره ويشعر كذلك بمن لا يزوره خاصة من الأقرباء المقربين ، و الميت أيضاً مهما كان اعتقادك بصلاحه واستقامته يحتاج إلى زيارة الأحياء وليس دعائهم فقط ، ليس هذا فحسب ولكن في فترات لا تطول . وبصراحة كانت هذه الرؤية المنامية دافعة لي للبدء في كتابة هذه الرشفات الروحية وقد عزمت حينها أن أضعها الأولى في الترتيب وقد فعلت ولله الحمد .
الثانية : اليقين مفتاح الروحانية العالية :
الروحانية العالية هي أنفس ما في هذه الدنيا وهي غاية سعى ويسعى لها أولوا الألباب ، إنها تعني القرب من الله عز وجل ، إنها تعني روح تطرب بلذيذ مناجاة الله وتسعى للمزيد منها ، إنها تعني روح يخفق بحب الله وبذل الغالي والنفيس للظفر برضوانه ، روح راحتها أن تكون لله كما يريد ، روح لا يشغلها المظهر عن الجوهر، روح تجاهد في سبيل الله حدائها قوله تعالى ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ))
إنّ مفتاح الوصول إلى هذه الروح هو بلوغ مقام اليقين ، اليقين بالله وبطبيعة هذه الحياة وبموعود الله في الآخرة بداية من الوفاة واليقين بالرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم ، وإنّ طريق الوصول إلى هذا اليقين بعد توفيق الله وفتحه يكون بالتفكر في كتاب الله المسطور القران الكريم وهو جامعة اليقين ((إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ )) ، و التفكر في كتاب الله المنظور ( الكون ) ((وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ )) وقال الله تعالى (( إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (3) وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آَيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (4) )).
وطريق الأول التدبر والثاني التفكر بالاستفادة من معطيات التقدم العلمي والتكنولوجي خاصة وسائل الإعلام كالتلفاز وأقراص الكمبيوتر بما تحويه من أفلام علمية وبرامج علمية ويأتي في المقدمة هنا قناة الجزيرة الوثائقية و قناة ابوظبي ناشيونال جغرافك وبرامج الإعجاز التي يقدمها الشيخ عبدالمجيد الزنداني و الدكتور مصطفى محمود في برنامجه الشهير ( خواطر الإيمان ) وكتب الإعجاز العلمي بشكل عام والكتب العلمية تحتل مكانة كبيرة على هذا الصعيد وألفت نظر معلمي العلوم وطلبتها في مدارسنا و جامعاتنا لأهمية إدراك مكانتها كواحة خصبة للتفكر في خلق الله ، قال الله تعالى : ((أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ )) وسيجد كل متدبر لكتاب الله ومتفكر في خلق الله ثمرة ذلك اليقين خشوعاً في الصلاة فيكون من المؤمنين الذين يرثون الفردوس خالدين فيه ، حضوراً مدهشاً مع تلاوة كتاب الله المجيد يصبح لهم بستاناً و واحة تفي إليها أرواحهم من لهيب المادية اللافح يجدون معه حلاوة قول الله عز وجل ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) .
الثالثة : أخي المسلم .. أنت ملك فلا تُضّيع مُلكك !!
أخي المسلم أنت ملك في الجنة ، فأقل أهلها نصيبه مثل الدنيا كلها خمسون مرة فلا تضيع ملكك العريض بمعصية الله في الدنيا ، أصبر وصابر ورابط على طاعة الله ... لا تضيّع ملكك بطاعة هواك ومعصية مولاك ، أجّل مطامعك وشهواتك إلى الآخرة فهناك تتمتع بها كاملة غير منقوصة خالداً مخلداً ، لا بل : ((وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ )) بل و يقول الله تعالى : (( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) )) ، لا بل إن الفرصة أمامك سانحة لتزيد من ملكك في الجنة كلما بادرت إلى الطاعة و زدت منها عدداً وفيها إخلاصا ، فاغتنم الفرصة ولا تدعها تتفلّت من بين يديك ، نافس الآخرين في فعل الخيرات وترك المنكرات .
لم تكن الدنيا لي و لك لنتنعّم ونقضي شهواتنا فيها ولكنها محل لطاعة الخلاق العليم والجنة هي دار الملذات والنعيم المقيم (( إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55) ))

، الم يقل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الإمام الألباني في ( صحيح ابن ماجه برقم 3321 ) ، ورواه الإمام مسلم : (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) ، إذاً اجعل مطامعك في الدنيا الدنية ماسورة لتكن في الجنة العالية حرة طليقه ، والدنيا فان أنت عنها والجنة خالد فيها إن زُحزحت عن النار وأدخلتها . أخي .. تقنّع بالقليل من القليل وهيئ الزاد للسفر الطويل .
الرابعة : أخي ..صادق القرآن
كن للقرآن صديقاً صادقاً صدوقاً تظفر بسعادة الدارين ، أقبل على كتاب الله بقلبك وقالبك تتدبره ، فرّغ له عقلك وحواسك ، إقراء القرآن و أستمع إليه و أنت واثق ، مستشعر أنه خطاب من الله لك أنت شخصياً ، إقراء القرآن داخلاً .. مندمجاً ..في مشاهده خارجا من مشهدك الذي أنت فيه ، ((إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )) . أخي استعن بالله على ذلك ولا تعجز .
الخامسة : كن بخيلاً في رمضان !!
أخي .. كن بخيلاً في رمضان بوقتك فلا تصرفه إلا في ما تعتقد أنه الأنفع لك يوم تودع هذه الدنيا ويوم تُعرض على الله وحيداً فريداً ، احذر التسويف ومكر الشيطان بك ، لا تبخل على القرآن ولا تبخل على صلاة التراويح وذلك في كل رمضان ، لا تكن من المنجذبين للطاعة أول رمضان ثم تفرط فيها بعد أسبوع أو عشر أيام ، لا تجعل أصدقائك مهما كانوا ودودين ولا احد أن يضيّع وقتك في رمضان ، من قال أنّ رمضان شهر السهر إلى الفجر وبدون صلاة التراويح ثم نوم إلى العصر فتخصصه للتمشيه في الأسواق ،إنّ أثمن وقتك في رمضان فاحرص على ان تصنع لنفسك الانجاز فيه ، احرص على الحسنات والفرار من السيئات ، اسأل نفسك : ما هو الأنفع لي عند ربي خالقي ومولاي ومالك أمري و مُحييني و مُميتني و مُدخلي الجنة أو النار وتذكر هذه الحقيقة في صلاتك ، رتب أولوياتك ، لا تدع وقتك نهباً للفوضى والصدفة ، انك ان فعلت كنت الرابح وان لم تفعل فما احد غيرك الخاسر ، رمضان مدرسة فكن من طلابها النجباء الفطناء لا البطناء ، رمضان موسم للأرواح كنز للرضوان فلا تجعله غير ذلك .
14 رمضان 1431هـ ـــــــــــــ mraham70@gmail.com

رشفات روحية 2

بقلم : مرعي حميد
الأولى : أروع حب في الوجود
انه محبة الله تعالى لعبده و محبة العبد لربه ، انه أسمى حب عرفه إنسان ، والمحبة ميل وعاطفة نسمع بها و نعرفها ولكن حين نتذوقها ونعيش في رحابها نقف على حقيقتها ، يستشعر الإنسان بهذا الميل وهو يحب أبنائه و أبويه وإخوته و زوجته ، ولكن هناك فرق بين محبوب مقدور عليه معروف محبته لك و دوامها ومن الطرفين مع سهولة إعطاءها غذائها اللازم لاستمرارها ، إنها محبة هادئة رتيبة في معظم الأحيان ، ولكن طعم المحبة يذوقه على حقيقته من هام قلبه بمحبوب من البشر ، فهو يعيشه بجوارحه كافة ، ويصبح ماليا عليه همه وفكره، شاغلاً عقله و باله ، يعيش معه في اليقظة والمنام ، حب يسيطر عليه ويوجه سلوكه و كثير من تصرفاته ، همّه أن يظفر بمحبة محبوبه وبرضاه به محبوبا ، همّه أن يزيد من إثبات صدق محبته لمحبوبه وثباتها و زيادتها في قلبه ، همّه أن يكون على بال حبيبه ، وان يتحقق له الظفر به مع غيره شديدة عليه ان يقع في حب آخر[ التوحيد في الحب أو وحدة المحبة ] ، أو ان ترنوا إليه عين آثمة حتى قال الشاعر
أغارُ عليها أن يمرَّ بشعبها نسيمُ الصَبا أو يكتسي طيبَ تُربها
وأدري بحبي كيف بات بقلبها "ولم تدرِ ليلى أنني كَلِفٌ بها
وقال آخر : وَإيَّاكَ ذِكْرَ العَامِرِيَّةِ إِنَّنِي أَغَارُ عَلَيْهَا مِنْ فَمِ المُتَكَلِّمِ
وقد عرفت تجربتين من هذا الحب العاصف ، وكانت الغاية التي لم تتحقق الزواج ، ولكن وجدت فيها فعلاً وعشتُ العديد من المعاني التي كنت اسمعها في شعر العرب الذي يستهويني سماع العالي منه نحو:
أرقٌ على أرقٍ ومثلي يأرقُ ** وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جهد الصبابة أن تكون كما أرى ** عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
ولكن هناك فرق كبير وهوة شاسعة بين هذا الحب بين المخلوقين وبين محبة العبد لله تعالى ، قال الإمام ابن قيم الجوزيه : (( وأصل التأله التعبد والتعبد آخر مراتب الحب يقال عبده الحب وتيمه إذا ملكه وذلله لمحبوبه )) ، وقد أورد ابن القيم ثمان مراتب للمحبة هي اقل من التعبد منها العشق والغرام والشغف و الغرام و التتيم و الصبابة ثم قال (( وحقيقة العبودية الحب التام مع الذل التام والخضوع للمحبوب تقول العرب طريق معبد أي قد ذللته الأقدام وسهلته ))
إنّ محبة العبد لخالقه تختلف عن محبته لمخلوق مثله ، بل إنها لا تقارن ، فهي محبة من طرفين و حين يذكر العبد مولاه فانه يذكره ، ومحبة الله لا يخشى معها الفوت فهي دائمة أبدية مالم يغير العبد من سلوكه الذي يرضاه محبوبه خالقه ومولاه ، أما المحب لمحبوب انسي قد يموت أو يموت محبوبه ، لكن الله حي لا يموت ، والعبد حين يموت فإنما يذهب إلى حياة برزخية تدنيه من رؤية محبوبه خالقه ومولاه في الجنة وتقطعه عن النكوص عن هذا النوع السامق من المحبة ، فمتى ما عاش في الدنيا خشي على نفسه الفتنة ولكن بالانتقال إلى الرفيق الأعلى يكون بإذن الله تعالى قد ضمن لحبه لمحبوبه ومحبة محبوبه له الدوام والخلود ، أما محبة الإنسان للإنسان فيقطعها الموت مع بقاء الوفاء والذكرى العاطرة ، ولذا فان الله هو الحي الذي لا يموت ، وما موت العبد إلا دنو من نوع خاص وحياة لها معاني اكبر ، وفي حال محبة المولى المتفضل تغيب الغيرة التي عرفها الناس في تجربتهم فيما بينهم ، ويحل محلها التنافس في القربات والطاعات لا بل إنّ الله تعالى يرضيه ان يقبل عليه الناس بالطاعات والقربات ، ولأن المُحب يُحبُ لمحبوبه كل ما يرضيه فان العبد يسعد حين يتوجه الناس لله بالطاعة والمحبة ويصبح ( يُحب في الله ) ويقول لذلك الآخر المحب لله بلسان الحال أو المقال ( إني احبك في الله ) ، و في دستور الحب الإلهي كلما زادت وارتقت محبتهما لله ارتقى وازداد حبهما لبعضهما ، بل إن المُحب لله يحرص على ان يكون سبباً في محبة الآخرين لحبيبه من خلال الدعوة إلى المحبوب والنصيحة والتذكير بما يزيد الناس له طاعة و إجلالاً ، وتبقى غيره من نوع خاص : ان تنتهك محارم الله .
ولكن هذه المحبة من العبد لخالقه وحبيبه الأعلى لا يكفيها الشعور فقط بل لا يستقيم هذا على الإطلاق انه من اللازم لها الحرص على الطاعات والفرار من المعاصي كبيرها وصغيرها ...
تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقا لاطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع

ان هذه المحبة تلزمها المسارعة إلى طاعة المحبوب ومرضاته و الدلالة عليها مع قمة إخلاص للمحبوب ، وفي الحديث القدسي : ((إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَي عَبْدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَي مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَي بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . ((قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) )) سورة آل عمران .
وقد سال المصطفى ربه هذه المحبة فقال (( أسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك )) كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام احمد والترمذي وصححه الإمام الألباني في ( صحيح الترمذي ) ، وهو حري بنا و مدعاة إلى ان نبتهل إلى الله تعالى نسأله أن يرزقنا هذا الحب .

واعلم إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ : الْمُحْسِنِينَ ، التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، الْمُتَّقِينَ ، الصَّابِرِينَ ، الْمُتَوَكِّلِينَ ، الْمُقْسِطِينَ ، الْمُطَّهِّرِينَ ، الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ، فاحرص على تحقيقها صفات ، واعلم ان الله لَا يُحِبُّ : الْمُعْتَدِينَ ، الْفَسَادَ ، كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ، الظَّالِمِينَ ، مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا ، منْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ، الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ ، الْمُفْسِدِينَ ، الْمُسْرِفِينَ ، الْمُسْتَكْبِرِينَ ، فاحذرها صفات .
يقول ابن القيم في منزلة المحبة ((ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة المحبة وهي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون وإليها شخص العاملون وإلى علمها شمر السابقون وعليها تفانى المحبون وبروح نسيمها تروح العابدون فهي قوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام وهي روح الإيمان والأعمال والمقامات والأحوال التي متى خلت منها فهي كالجسد الذي لا روح فيه تحمل أثقال السائرين إلى بلاد لم يكونوا إلا بشق الأنفس بالغيها وتوصلهم إلى منازل لم يكونوا بدونها أبدا واصليها وتبوؤهم من مقاعد الصدق مقامات لم يكونوا لولاها داخليها وهي مطايا القوم التي مسراهم على ظهورها دائما إلى الحبيب وطريقهم الأقوم الذي يبلغهم إلى منازلهم الأولى من قريب تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ، ....، أجابوا منادي الشوق إذ نادى بهم حي على الفلاح وبذلوا نفوسهم في طلب الوصول إلى محبوبهم وكان بذلهم بالرضى والسماح وواصلوا إليه المسير بالإدلاج والغدو والرواح تالله لقد حمدوا عند الوصول سراهم وشكروا مولاهم على ما أعطاهم وإنما يحمد القوم السرى عند الصباح
فحيهلا إن كنت ذا همة فقد ... حدا بك حادي الشوق فاطو المراحلا
وقل لمنادي حبهم ورضاهم ... إذا ما دعا لبيك ألفا كواملا
ولا تنتظر بالسير رفقة قاعد ... ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا
ومن أراد الوقوف على المزيد فليراجع منزلة المحبة في الكتاب ، السفر النفيس ، مدارج السالكين للإمام ابن القيم أو تهذيب المدارج و كذلك كتاب حجة الإسلام أبو حامد الغزالي ( إحياء علوم الدين ) الجزء الرابع ((كتاب المحبة والشوق والأنس والرضا ))
ويبقى محبوب البشر واحد من أهل الدنيا ، إنسان مثلك ، ولكن من كان محبوبه مولاه فهو مالك الملك ذي الجلال ذي الأسماء الحسنى والصفات العليا انه خالقه و رازقه و مالك أمره ، الرزاق الفتاح الهادي العليم السميع الناصر ، محييه و مميته و المتصرف فيه في كل أوقاته وخاصة من لحظة مفارقة الروح للبدن و مابعدها من تغميض و تسجيه وتغسيل وتكفين وحمل على أكتاف الرجال و إنزال للقبر وتلحيد و موارة للتراب و ما بعد ذلك ، أي سمو لحب من يملك كل هذا ويزيد !!
ولأهل الحب والمحبة للعلي الأعلى شرع الإسلام العظيم أنواع من ذكر محبوبهم جل جلاله : ذكراً مقيداً بحالات خاصة كالدخول والخروج والأكل والشراب وبُعيد الصلاة و مع تنفس الصبح و حلول المساء ، و ذكراً مطلقاً كقول : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، و (( لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير )) وغيرها ، و لك بذكر حبيبك من حبيبك ، مع ذكره لك وكفى وانعم وأعظم به جائزة ، معيته و أجره العظيم ، ألا ربح المحبون الذاكرون للجليل المتفضل أعظم الربح ، اجله ، أبركه عاقبة . أيننا منه و أيننا منهم ؟؟
ومن محبة الله الحنان المنان الودود الرحيم ، محبة أخرى تتدفق معه وتنساب ، إنها محبة الحبيب المحبوب الرسول الكريم خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله الصادق الأمين والسراج المنير الرحمة المهداة و النعمة المسداة لنا نحن البشر من ربنا الرحمن الرحيم لينقذنا من ضلالة المعصية إلى نور الهداية ، ومن شقاء العصيان إلى لذة عبادة الواحد الديان ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الإنسان إلى عدل الإسلام ، محمد بن عبدالله الذي تحمل المشاق والعنت والإيذاء و الشدة ، وهو أكرم مخلوق عند الله تعالى، تحمّل ذلك ليصل إليّ واليك نور الوحي وشمس الرسالة فنعيش في نورها الزاهر ولا تلفتنا عنه لذات الدنيا الدنية ولا رغبات النفس الآثمة العجولة لما يشقيها ويفوّت عليها أعظم نعيم في الدنيا والآخرة ، نعيم محبة الله والعيش في رحابه ، تستشعر قربه ومحبته وذكره وتنال منه الهداية إلى الفاضل من الأعمال و تتفياء ألطافه بك وبنعمه عليك بالليل والنهار ، يحميك من شر نفسك ، ويعيذك من شر عدوك المتربص الشيطان الرجيم ، ويرزقك النصر تلو النصر على نفسك التي بين جنبيك وعلى عدوك المتربص بك من بني البشر بكيدهم و قضهم وقضيضهم ، بغثائهم الهابط وإنتاجهم الداعر و لذة ما لديهم ليفوتوا عليك أعلى وأغلى نعيم ولذة : نعيم المحبة والقرب من العلي الأعلى ولذة مناجاة الله القريب الذي لا ينساك بأي حاليك طائع أم عاصي لكن شتان بين الحالين والذكرين ، شتان بين الرضا والغضب ، بين الرضا والسخط ، بين حب الله و مقته . ومن علامات ولوازم محبة الصادق الأمين اقتفاء أثره والاهتداء بهديه والدلالة إليه و عليه ، والصلاة على المصطفى من قلب حاضر .
ومن ثمار محبة الله ان يرزق مُحبه حور عين يُحببنه ويشتقن إليه و يذكرنه و هو لا يزال يسير على قدميه في الدنيا كما ورد في الحديث وقد دعاك ابن القيم إلى التعلق بذلك الحب و دفع مهره
فيا خاطب الحسناء إن كنت ... راغبا فهذا زمان المهر فهو المقدم
وكن مبغضا للخائنات لحبها ... فتحظى بها من دونهن وتنعم
وكن أيما ممن سواها فإنها ... لمثلك في جنات عدن تأيم
وصم يومك الأدنى لعلك في غد ... تفوز بعيد الفطر والناس صوم
الثانية : عش حقيقة القرب
أخي الحبيب .. هل عشت حقيقة القرب؟ .. قرب الله منك (( ونحن اقرب إليه من حبل الوريد )) ، عشها بقلبك و بروحك تجد لذكر الله أسمى لذة ، و لمناجاة الله أعظم سلوى ، عشها تستشعر فيض غامر من المشاعر الإيمانية و الفيوضات الإلهية ، تذكّر يا أخي قول الله تعالى ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ )) ((وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُو أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ )) ((قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ )) ((وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ )) ، أخي استعن بالله و لا تعجز ، الجأ إليه واشكره واسأله المزيد من فضله .
الثالثة : في مركز صرافة
دخلت إلى مركز صرافة في احد مدن حضرموت فوجدته فخماً ومن طابقين و دهشت حين قال صاحبي أنّ تجارة صاحب هذا المركز (المركز الرئيسي ) هي من عمله لدى أمير من أمراء الدنيا ، فرجعت إلى نفسي وقلت هذا حال العامل عند أمير من أمراء الدنيا فكيف حال العامل لله القائم بواجب العبودية الشاغل حاله وباله بالعبودية لله و العمل للظفر بمرضاة مولاه ملك الملوك . انظر إلى نعومة و راحة بال ووسع مال وهناءة مركب العامل عند ذلك الأمير ( نعيم مادي ) ـ ما شاء الله تبارك الله ـ ، فكيف تكون نعومة وطمأنينة روح من يعمل عند رب العالمين المغني الواهب المُعطي ( نعيم معنوي ) قال عنه إبراهيم ابن ادهم (( نحن في لذة لو علم بها الملوك وأبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف )) ، مع أنّ العاملين الاثنين قد تُكدر حالهما الأمراض أو الأسقام أو الحوادث و فقد الأحبة ، مع أنّ هذا العامل عند الأمير قد يكون كذلك عامل لله بمرضاته فيحوز الخيرين ، مع فرق واحد أنّ التجارة مع الله لا تتهددها أزمات مالية تؤثر سلباً على سندات أواسهم أو أرصدة أو مدخرات ذهب و جوهر إنما تتهددها الغيبة والنميمة و السب والشتم واكل مال الناس ففي الحديث الذي صححه الإمام الألباني ورواه الإمام مسلم والترمذي وغيرهما : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ))
وختاماً كن أخي لله عاملاً تنل المفاخر ، كن لما عند الله مسارعا لا ترضى الصف الآخر .
الرابعة : التفكر من صفات المتقين :
وذلك مصداقاً للآية الكريمة((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19) وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (22) فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (23) لقد صرحت الآية بصفات الإحسان و طول القيام من الليل والاستغفار بالأسحار والصدقة وكنت عن التفكر بـ (( وَفِي الْأَرْضِ آَيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (20) وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ )) وكنت عن التوكل بـ (( وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ )) .
الخامسة : روحك لا تُنسها الغذاء
الجسم يحتاج إلى غذائه... والروح إلى غذائها أحوج ، يلبي الإنسان ـ ان استطاع ـ حاجة بدنه من الغذاء وبدون تأخير ... وغذاء الروح ـ وهو أيسر ومُيّسر ـ يقبع لديه في زاوية النسيان والإهمال والتسويف ، يبذل الناس من اجل توفير الغذاء الجسدي لا نفسهم ـ وللآخرين في أحيان ـ ولكن لا يبذلون شيء غالباً لتوفير الغذاء الروحي لأرواحهم . يُقدّر الناس حاجة الجسد إلى الغذاء ... ولكن الذين يُقدّرون حاجة الروح إليه قليلون .
السادسة : حطم الصنم
حطم صنم هواك وأطع مولاك ، إنّ هواك صنم معنوي يتضافر مع الشيطان ليوقعك في المعاصي و الشرور والآثام ، فلم تطيعه وتنساق له وتعصي مولاك الذي خلقك وانعم عليك بما لا يُعد ولا يُحصى من نعمه الظاهرة والباطنة ؟؟؟ ، يقول الله جل في علاه : (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ )) وقال : ((أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً )) و قال : ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) )) ، إنّ الحري بي وبك لا أن نتبع الهوى بل أن نطوع هوانا ليكون موافقاً لما يُحب الله ، وفي الحديث الصحيح : (( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ )) .
قال الناظم : يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا ... واعصِ الهوى فالهوى مازال فَتَّانا
وقال الآخر : وإذا الهَوى كَرِهَ الهُدى ... وأبى التُّقى، فاعصِ الهَوى
السابعة : وينصرمُ عام
هانحن نودع عام ونستقبل آخر ، و ما أسرع كر الأعوام وسير الزمان !! وانه لحري بكل حريص على حاضره ومستقبله ، على دنياه وأخراه ان يحاسب نفسه عن عامه المنصرم : كيف كانت علاقته مع الله فيه ، وعن حاله مع الواجبات التي افترضها الله عليه وعن السنن التي يحبها له باريه ، هل زاده عامه المنصرم قربى من الله أم بعدى ، إلى أي حد استغل فيه وقته في ما ينفعه ويفيده ، عن انجازه الشخصي فالناجحون حياتهم انجاز تلو انجاز . ليحاسب كل حريص نفسه ، فان أحسن فلا يتنازل عامه الجديد عن هذا المستوى ، وإن أساء فعليه أن يسارع إلى التوبة النصوح وأن يشمر عامه الجديد ليعوض ما فات ، وقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم : ((الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ , وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الأَمَانِيَّ )) ، وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ((حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا , وَزِنُوهَا قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا وَتَهَيَّئُوا لِلْعَرْضِ على اللَّه تعالى يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية وإنما خف الحساب في الآخرة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا)) ، إنما الدنيا موسم للبذر وفي الآخرة يحين القطاف ، إنّ الدنيا دار عمل والآخرة دار جزاء ، ولا يدري احدنا متى يكون رحيله وختام بذره ، والموفق من لم يغتر بطول العمر ولم يسوف في البذر و التقديم لما ينفعه في الأخرى ، ولا ينسينّ احد رعيته : أهله وأولاده ، من الحث والتذكير لاغتنام الحياة في الطاعة والتقرب إلى الله جل جلاله ، ليزيد كل من نصيبه مما اعد الله لعباده الصالحين وفي الحديث القدسي يقول الله سبحانه وتعالى : «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر». ومصداق ذلك في القرآن المجيد: { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [السجدة: 17] .
وفي ذات الوقت هل لك عزم عقدته لعامك الجديد ، ان كان قد عقدت عزم فأضف إليه روح المبادرة ، وان لم تعقد عزماً فليكن لك ذلك ، ولما لا والعام لم يهل أو هو في مبتداه ، ليكن لك مشروع شخصي تنجزه خلال العام أو تشرع في انجازه ، ليكن لعامك الجديد شعار تتفياء ظلاله و يكن لك حادياً ، و لا تكن من أصحاب اللا فعل واللامشروع ، أخي ... اعمل لدنياك كأنك لن تموت أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ...

ديسمبر 2010م mraham70@gmail.com

تأملات في فاتحة الكتاب

بقلم : مرعي حميد
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
هي الآية الأولى من فاتحة الكتاب المجيد (السبع المثاني ) ومن المهم قراءتها مع استحضار معانيها في القلب عند الشروع في أي قراءة لكتاب الله سوى كانت من أوّل السورة ، أي سورة ، أو وسطها . ان الإنسان المؤمن يقبل على كتاب الله الذي يحتوي من الكنوز الإيمانية ما الله به عليم ، وهو بضعفه أمام هذا البحر الزخار يريد ان يغترف من كنوزه والله هو القوي الوهاب فيتجه إليه باسمه ( الله )الذي يتضمن معاني كل الأسماء الحسنى مستحضراً في قلبه ذلك التضمن أو مستحضراً لبعض الأسماء الحسنى بحسب حاله ، حامداً له على نعمه السابغة ،السابقة مؤمناً بربوبيته للعالمين فهو خالقهم ومالك أمرهم ، ثم يلهج المسلم بـ (( الرحمن الرحيم )) معترفاً ومقراً بان الله تعالى رحيم ورحمان بالعالمين والقارئ منهم ، وفي ذات الوقت فانه يتجه إلى الله الرحمن الرحيم يستمد منه رحمته ورحمانيته فإذا رحمه الله في هذا المقام وهو بضعفه منحه القدرة والطاقة للانتهال من هذا المنهل الرباني الفذ الذي لا تنقضي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد كما ورد في الحديث ، وإذا كانت تلاوة كتاب الله مطلوبة في حد ذاتها ابتغاء الأجر والمثوبة لمجرد التلاوة فان كتاب الله هو لمهمة أرفع وأسمى من مجرد التلاوة وهي ازدياد الإيمان فان قراءة القران تزيد من الإيمان وتفيض على القلب بمعاني يقينية وكلما زاد اليقين والإيمان في النفس كلما زاد العمل الصالح والاستمساك بمنهج الله في السيرة والسلوك اليومي للإنسان وكتاب الله هو ( جامعة اليقين ) : اليقين بكل شي : الخالق وصفاته وأفعاله ، المخلوق وسلوكه في الحياة ، الدنيا ، الأنبياء ، ، المصير ، الموت ، البعث ، الجزاء ، الجنة ، النار . ولما علم الشيطان بنفاسة القران الكريم بذل ويبذل جهده لكي يصرف المؤمن عن كتاب ربه بالكلية ان استطاع أو صرفه عن تلاوته وتدبره وحفظه وبالتالي تضييع الفوائد التي سيجتنيها ان هو اقبل على كتاب الله يقرأه ويتدبره . وحتى لا يتمكن الشيطان من ذلك شرعت لنا الاستعاذة من الشيطان الرجيم قبل ان نشرع في القراءة ، وينبغي ، ككل دعاء ، ان تكون قلوبنا حاضرة وعقولنا مدركة لما تنطق ألسنتنا .
وإنّ البسملة مهم البدء بها عند مباشرة الأعمال كافة ومنها العمل السياسي فلا اجتماع كبير أو صغير للقيادات أو للقواعد يبتدئ حق الابتداء ، الابتداء المبارك ، إلا بها، إنها تُذكّر بالله المُكلف الإنسان بطاعته وعبادته وعدم مخالفة أمره في كل شؤونه ، والانتقائية لا تصح في التعامل مع علام الغيوب الذي انزل المنهج الحق المبارك الذي فيه بيان خير الإنسان إن أراد الخير وسعى إليه وفيه بيان الشر الذي قد يصيب الإنسان ان لم يتوقاه ، ومنه نستمد الرحمة فيوفقنا إلى ما ينفعنا ويصلح أمرنا.
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)
الآيات من (( الحمد لله)) إلى ((مالك يوم الدين )) هي خطاب من الله بحقيقة من كبرى حقائق هذا الكون الذي خلقه الله بقوله كن ، مفادها أن الحمد لله المتصف بتلك الصفات الأربع التي يستحق بها الحمد والثناء.
والفاتحة قسمان : الأول ثناء على الله واعتراف وهو تعليم من الله لنا كيف نفعل ذلك وبأرقى صورة وأيسرها ، والثاني هو خطاب من المؤمن إلى مولاه الذي يقف في حضرته في الصلاة وحين يردد تلك الآيات عموماً، والقران هو كلام الله للبشر وإنّ من أعظم درجات الكمال عند تلاوته ان نكون حاضرين للمشهد الخطابي على تنوعه في كتاب الله (( ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد )) وإنّ من مفاتيح الاستفادة من تلاوة كتاب الله المجيد استحضار عظمة المتكلم و تفريغ القلب من الشواغل و الصوارف عن الإنصات التام لكلام الله ، وتفريغ القلب من الأحقاد والإصرار على الإثم كبيراً كان أم صغيراً ، بالإضافة إلى الوضوء والتمهل في القراءة .
إذن الحمد لله رب العالمين ثناء على الله واعتراف بنعمه كلها ومن ذلك في بعض الأحيان استحضار نعمة بعينها في نفس القارئ يفيض بها وجدانه ، نحو نعمة الهداية أو الاستقامة أو الإقبال على الله ، والحمد تعني استغراق المحامد كلها لله أي أنّ كل الحمد لله ، والحمد مطلوب في السراء والضراء كما يدل على ذلك مثلاً حديث الله تعالى للملائكة : قبضتم فلذة كبد عبدي قالوا نعم ، فيقول الله وهو اعلم :فماذا قال عبدي ، فيقولون حمدك واسترجع فيأمرهم الله ان يبنوا له بيتاً في الجنة وأن يسموه بيت الحمد ، والحمد هو طريقة في الثناء على الله يتضمن معنى الشكر وزيادة ، والشكر لا يكون إلا في السراء وما تتمناه النفس السوية (( ولئن شكرتم لأزيدنكم )) والحمد بهذا المعنى هو استمطار للمزيد من نعم الله وللبركة في المتحصل عليه منها . والحمد أيضاً هو التبري من أوهام الحول والقوة الفكرية والعقلية والمادية والمعنوية مما هو متحصل من المرغوبات فلولا نعمة الله بالخلق في أحسن تقويم والرزق والصحة وغيرها لما وسع الإنسان ان يتحصل على مرغوب ولا ان يستمتع به وهذا الأمر يستوي فيه الإنسان غير المزاول للسياسة وغير المهتم بشأنها والإنسان المنهمك في الشأن السياسي تصريفاً واهتماماً يسوق إلى العمل والمواقف العملية الميدانية .
وحين يستحضر المسلم ((رب العالمين )) يدرك بعداً آخراً لعظمة الله الخالق الرازق واتساع ملكوته ، لا بل هو مالك الملك والعالم بكل ما كبر وكل ما دق من ملكوته من أحياء وجمادات هنا وهناك وهنالك و في أنحاء المعمورة وكل أرجاء الكون الذي لا نعرف عنه إلا القليل ، وأنت واحد من هؤلاء العالمين .
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
خلق الله الخلق وهو بهم راحم ، لم يخلقهم ليتجبّر عليهم فهو ليس في حاجة إلى ان يُظهر لأحد اكبر شانا منه أو مساوي له انه قادر على البطش ، كلا ، بل حتى الكافرين به الجاحدين بنعمه من خلق لهم في أحسن تقويم ورزق و مالم تكون به حياتهم إلا به ، فهو بهم راحم حين يبين لهم سبل الهداية ويرسل لهم نذر العناية من مرض موجع أو مصيبة مؤلمة أو معجزة مبينة وذلك حتى يعودوا إلى الله ، الله غني عن العالمين فلا تنفعه طاعة الطائعين وان كان يضاعف أجرها ولا تضره معصية العاصين وان كان يفرح بتوبتهم وهذا الفرح لأنهم بتوبتهم يبعدون أنفسهم عن أسباب الشقاء ، والله من فوق ذلك هو ارحم بالمؤمنين الطائعين وطاعتهم لهم لا لغيرهم فصلاتهم هم المحتاجين إليها يناجون فيها جبار السماوات والأرض كل يوم خمس مرات على الأقل وحين يتصل المرء بقوة عظمى فانه يقتبس لنفسه من سنا عظمتها ، والصدقة هي لك وديعة عند الله ينميها لك حتى تلقاه ومن نعمة الله على العباد ان شرع لهم الطاعات ورتب لكل منها أجرها في الآخرة والأولى لمن أداها ، والأداء يكون درجات من حيث الإتقان وكلما زاد منه زيد له في أجره وثوابه . والعكس صحيح فالسيئات لا مضاعفة لها بل إنها قابلة للتبديل إلى حسنات بمجرد توبة صاحبها توبة نصوحاً ، فمن رحمته ان لا يكتفي بمحو السيئات ومغفرتها لمن تاب ولكن مع ذلك التبديل إلى حسنات .
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
يوم الدين هو يوم البعث والحساب والله تعالى خالق الزمان والمكان ومالك كل الأيام ، وخصص هذا اليوم بالذكر لعلو شانه بينها عند الله حيث يحاسبهم على مثاقيل الذر من خير وشر , وعند البشر حيث ان المسلمين منهم يعملون استعدادا لذلك اليوم الذي سماه الله أيضا يوم التغابن حيث يعرضون وتعرض أعمالهم على الله الذي أحصى كل شي (( ونُسأل يوم القيامة عن كل شي ))
و المسلم المناطة به أي مسؤولية في الدنيا يتذكر ان الله سيحاسبه يوم الدين عن أداءه لها وهل حفظ أم ضيع ، هل أداها كما ينبغي أم حابى فيها وجامل وتجاهل وعوق من لا يعرف أو من يخاصم .

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) إهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
هذا المقطع خطاب من المسلم لمولاه مضمونه الدعاء ويعيشه بان يستحضر في قلبه علم الله المحيط المطلق الذي يعلم قوله وهل هو حاضر عنده أم غائب وهل هو صادق في عبادته لله أم غير ذلك ومهم هنا استحضار معنى العبادة وهي تتضمن الامتثال لأوامر الله فعلاً وتركاً والالتزام بسنة رسول الله فعلاً وتركاً ، وبالقدر الذي تشير فيه إلى الحاضر فانك تشير إلى المستقبل .
والسياسي المسلم اعتماده الأول في نجاحه وان أراد النجاح هو في الاستعانة بالله ، فلا يستند إلى قدراته ومواهبه وإمكانياته المادية والبشرية بل يستعين بالله ذي الطول ، وكل ذلك يأتي من بعد الاستعانة بالعلي الكبير.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
المسلم أياً كان ترتيبه في سُلّم التنظيم الاجتماعي ، له صلة بالسياسة وإدارة الآخرين أم لا صلة له بذلك ، في حاجة إلى هداية الله في كل وقته في كل لحظة وفي الدعاء (( يا حي يا قيوم برحمتك استغيث ، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )) ،
ومهم ان يستحضر المسلم وهو يدعو الله بهذا الدعاء الذي اختاره الله وجعله في فاتحة كتابه على قصرها كلمات ، من المهم ان يستحضر الاستعانة بالله بنوعيها وان يستحضر انه يسال الله كلا النوعين : هداية الدلالة وهداية الإعانة ، وهداية الدلالة هي الهداية التي يدرك صاحبها الأمور حق أم باطل خير أم شر ويدرك بها خير الخيرين وشر الشرين وهي المقصودة في قوله تعالى (( انك لتهدي إلى صراط مستقيم ))، أما هداية الإعانة هي ان يصير صاحبها سالكاً سبيل الخير وخير الخيرين مجتنباً سبيل الشر وشر الشرين وهي المقصودة في قوله تعالى (( انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء )) فالله نفى عن رسوله هداية التوفيق والإعانة وأثبتها الحق لنفسه جل جلالة ، ولكن هداية التوفيق من الله لها أسبابها التي يبدأها العبد فيحصل على نعمة التوفيق ، ولا تأتي الهداية بمجرد انتظارها ولكن بالسعي إليها وبذل أسبابها وكلما عظمت الهداية التي يريدها السالك طريق الله كلما زاد مهرها
أترجو النجاة ولا تسلك مسالكها ان السفينة لا تجري على اليبسي
ولله في هدايته للبشر سنن لا تتخلف
والصراط المستقيم هو طريق الأعمال الصالحة التي يحبها الله ويرضاها فعلاً أو تركاً ، اختياراً لفعل ما يرضاه وترك سوى ذلك ، وبحسب مقتضيات الحال تقديماً وتأخيراً ، فاضلاً و مفضولاً.
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ
وهو صراط الذين انعم الله عليهم وهذا تخصيص لنعمة الهداية وإفراداً لها فنعم الله واصلة إلى كل الخلق برهم و فاجرهم ولكن أعظمهن شاناً و أرجاهن عاقبة نعمة الهداية إلى الصراط المستقيم فهي تضمن لصاحبها دنيا سعيدة هنية ومرد غير مخز لا بل هو المرد الذي تشتاق إليه النفس وتهواه الروح (( اللهم إني أسالك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة )) وكلما ازداد المسلم من ذلك العمل كلما كانت عاقبته اسعد وأمتع . وغير المغضوب عليهم هم اليهود الذين لم يعملوا بكتاب ربهم(التوراة ) وهو بين يديهم ظلماً وتنكباً عنه إلى الدنيا وشهواتها في المال والزواج و الولد والمكانة في قلوب الخلق ، أما الضالين فهم النصارى الذين ضيعوا كتاب ربهم ( الإنجيل ) فحرفوه و بدلوه وفق ما تمليه عليم أهوائهم وشهواتهم وأمزجتهم فغضب الله عليهم مثلما أضاعوا وتنكبوا طريق الحق الهادي إلى مرضاة الله ومثوبته وأجره والفوز بسعادة الدارين : الدنيا والآخرة .
. وكلمة (آمين ) تعني اللهم استجب لدعائنا الذي هو أهم دعاء ولذا كان من رحمة الله وحكمته ان يردد المسلم هذا النداء في كل ركعة